5 دقائق

السياسة بين جيلين

عبدالله القمزي

تغيرت ثقافة وتفكير واهتمامات المجتمعات العربية في الثلاثين عاماً الماضية. في الماضي كنا نتابع السياسة لأنها مقررة علينا. كان هناك جهاز تلفاز واحد في البيت تجتمع أمامه كل العائلة وأجهزة التلفاز الأخرى إن وجدت تستخدم لمشاهدة أشرطة الفيديو أو ألعاب نينتيندو وسيغا آنذاك.

كنا نعرف عواصم كل الدول العربية من نشرات الأخبار، وكنا نعرف عن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة وأعمارنا بين 10 و12، وعندما غزا النظام العراقي السابق دولة الكويت الشقيقة كنا نتناقش في الأمر بين أطفال الحي، وكنا على وعي بالاصطفافات السياسية التي خلقها ذلك الغزو، وكيف قسم العالم العربي.

كل ذلك من خلال جهاز واحد في صالة كل منزل يبث ثلاث قنوات هي الأكثر مشاهدة: دبي وأبوظبي والشارقة. كانت لغتنا العربية قوية جداً بسبب متابعة الأخبار تلفزيونياً وسماعها إذاعياً صباحاً في الطريق إلى المدرسة، وأيضاً من متابعة برامج الرسوم المتحركة المدبلجة باللغة العربية الفصيحة، وكان ذلك سبباً في احترام اللغة في أنفسنا.

ما كنت أتابعه في بيتي آنذاك يتابعه كل طفل في الدولة، وما تابعه أشقائي الأكبر مني وما قرأوه في الصحف الثلاثة الرئيسة ذلك الوقت هو بالضبط ما قرأه أقرانهم في كل الدولة. المعلومات تأتي من قنوات الدولة الرسمية وهي واضحة ومعروفة ولا سبيل للتلفيق وبث الشائعات والأكاذيب.

قلة القنوات في ذلك الوقت وتركيزها على الشأن السياسي المحلي والدولي جعل السياسة محل اهتمام الناس آنذاك، وعزز الثقافة السياسية في المجتمع الإماراتي، وكل المجتمعات العربية. بعد ثلاثين عاماً دخلنا العصر الرقمي، تطبيقات الأخبار أكثر من شعر رأسك، والقنوات الإخبارية العربية على مدار الساعة تكاثرت على مستوى كل دولة، وكذلك الصحف والإذاعات.

هذا من جهة الإعلام الحكومي والخاص تحت إشراف الدول، أما في الجهة المقابلة فلدينا الـ«سوشيال ميديا» وما أحدثته من ثورة في سرعة نقل المعلومة، لكن هنا تغيرت الصورة وتراجعت السياسة لدى الجمهور، وحلت محلها اهتمامات أخرى أبرزها ما يحدث في «إنستغرام» و«تويتر».

لم يهتم الجمهور بقرار اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل ولا بسيادة الأخيرة على الجولان، ولا يوجد أي تفاعل مع القمم العربية، وإن وجد فبسبب حادث هامشي مثل خروج أمير قطر لأنه مضحك. لا أرى أي اهتمام أو نقاش جاد عن التغييرات السياسية في السودان والجزائر لا في الـ«سوشيال ميديا» ولا حتى بين شباب المجالس. حتى من تجاوزوا الستين بشكل عام غير مهتمين بالسياسة، وهناك بالتأكيد بعض الاستثناءات.

المهتمون بالسياسة هم السياسيون والباحثون والمحللون ومحررو القنوات والصحف وطلاب العلاقات الدولية، أما خارج هذه الدوائر فلن تجد أحداً يهتم سوى القليل.

بالعربي: تغيرت طبيعة الإعلام من محدود إلى متنوع خلق حالة تشبع من السياسة، وبروز منصات الـ«سوشيال ميديا» صنع عاملاً مثالياً للإلهاء وتعزيز السطحية، وانتشار الإنترنت بين الناس دفعهم للنظر في أمور أخرى. الإنسان يتأثر ببيئته يتغير بتطورها أو بتخلفها.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر