رأي رياضي

ما خفي أعظم

حسين الشيباني

لا يمكن الحديث عن الاحتراف وتطوير مستوى كرة القدم في الإمارات دون تحديد وقياس مدى نجاح مشروعات النهوض بالمواهب الصغيرة والأكاديميات في الأندية، ويثبت واقع الحال أن تلك الأكاديميات مروراً بقطاع الناشئين والمراحل السنية في الأندية باتت (عقيمة) لا تنتج موهبة متكاملة ولا تقدم لاعبين أصحاب خلق وسلوكيات قويمة، أو حتى موهبة متقنة تم تشكيلها على مدار سنوات من العمل الصحيح.

لكن في المقابل، نجد دولاً أخرى سبقتنا بسنوات في مجال الاحتراف، رغم أنها كانت في الماضي تتذيل الترتيب القاري والعالمي، وعلى سبيل المثال «اليابان».

ولا خلاف على أن الناشئين هم المعين المتجدد للفرق الأولى وللمواهب بمختلف المنتخبات الوطنية، غير أن تدهور الأحوال الكروية في الأكاديميات وغياب البنية التحتية القوية، فضلاً عن قلة الإمكانات المادية واللوجستية وعدم الاكتراث بتغذية الناشئين، وتعويدهم العادات الغذائية والسلوكية الصحيحة، باتت كلها عوامل قتل المواهب وشحها في أكاديمياتنا الكروية.

وزاد في فداحة الأزمة غياب الرؤية الواضحة لأنديتنا، رغم وفرة الإمكانات، وهذا حال دون تواصل الأجيال فغابت أنديتنا ومنتخباتنا عن منصات التتويج القارية والعالمية إلا في مرات نادرة، والسبب في هذا التدهور هو غياب الاهتمام بالتكوين العلمي السليم للاعبين الصغار. والأندية لا تقدّم من ميزانيتها سوى 10٪ في أفضل الأحوال لدعم الأكاديميات، بينما يتم التهام 90٪ من الميزانية على يد لاعبي الفرق الأولى وأجهزتهم الفنية. واللاعبون في الأكاديميات يمثلون الاحتياطي الاستراتيجي لمستقبل اللعبة، يأتي ذلك في الوقت الذي يعتبر فيه لاعبو الأكاديميات اكثر ما يهتم به أباطرة اللعبة في الدوريات الأوروبية والعالمية، التي ترصد من أجلهم الميزانيات الصحيحة، بينما يقول الواقع الحالي بأن مواهب دورياتنا تعاني غياب التخطيط والإعداد الصحيح، ناهيك عن عدم الاهتمام بزرع القيم الاحترافية والثقافية، كما يغيب التواصل مع المدارس ومتابعة التحصيل الدراسي للاعبين. كل ذلك أدى إلى ولادة لاعبين «مشوهين» سلوكياً ونفسياً، وغير ناضجين لمواجهة ضغوط اللعبة، كما أن بعضهم غير مهيئين ذهنياً لدخول عالم الاحتراف وتحمّل ضغوط الشهرة ووفرة المال واللعب للفرق الأولى، وهو ما سبب انفلاتاً للسلوك وعدم الالتزام بشكل عام، بل وجدنا بعض ناشئينا قد تعلموا سوء السلوك والقيم السلبية قبل إتقانهم اللعبة نفسها، ما يكشف وجود خلل كبير في التعاطي مع مفهوم «تكوين النشء» في كرة القدم، وتسبب كل ذلك في تراجع مستوى الأداء الفني والبدني لمعظم ناشئينا.

إذا عرف السبب بطل العجب «لا يستقيم الظل والعود أعوج»، عندما تقوم بزيارة إلى أكاديميات الأندية لدينا سترى العجب من العمل غير الاحترافي، وسوء التنظيم، ومستوى المدربين الذين يشرفون على تدريبات النشء «فاقد الشيء لا يعطيه»، والهم الأكبر للمدربين هو التركيز على النتائج فقط على حساب تعليم النشء أساسيات اللعبة، وتأهيلهم وصقل موهبتهم، وما خفي أعظم.


عدم الاهتمام بالتكوين العلمي السليم للاعبين الصغار، وراء غياب أنديتنا ومنتخباتنا عن منصات التتويج القارية والعالمية.

تويتر