5 دقائق

عملية مراجعة الذوق

عبدالله القمزي

لديَّ تقليد أتبعه منذ 10 أعوام، يقضي بإعادة مشاهدة الأفلام التي شاهدتها في الماضي القريب والبعيد، أو سماع الأغاني التي استمعت إليها منذ عقد أو أكثر، و أحياناً أعيد حتى المسلسلات.

أفعل هذا للتأكد من ذوقي، هل تغير أم بقي كما هو لم يغيره الزمن، التجربة نتائجها مذهلة، خصوصاً عندما أكتشف تغيراً صغيراً أو كبيراً في ذوقي. الفيلم الذي أبهرني في التسعينات مثلاً أراه مهزلة اليوم! وأفلام أخرى أحببتها في الماضي ومازلت متعلقاً بها.

الشيء نفسه بالنسبة للأغاني، أميل أكثر إلى الأغاني الخليجية القديمة، لأنها رافقتني منذ مرحلة الطفولة، وكانت علامات بارزة لمحطات من حياتي، وهي جزء لا يتجزأ من ثقافتي. أحببت فن محمد عبده أكثر من غيره، لأن أغانيه كانت تصدح في بيتنا فترة الثمانينات، وهي الفترة التي شهدت بداية تأسيس شخصيتي.

الأمر نفسه ينسحب على الشخص الإنجليزي والفرنسي والأميركي، كل واحد منهم نشأ على الموسيقى النابعة من ثقافته. عملية مراجعة الذوق ضرورية، لأنها تكشف لك أبعاداً جديدة في شخصيتك، لم تكن تعرف أنها موجودة أصلاً.

الذوق، أو حاسة التفضيل، عامل متطور عبر الزمن مرتبط بالثقافة والقيم التربوية والماضي. إذا كنت قارئاً فأنت تحب الأفلام العميقة ذات المعاني الفلسفية، وإذا كنت مهووس تقنية فقد يشدك الخيال العلمي أكثر من غيره. وبالمثل لو نشأت على قيم الشجاعة ومساعدة الآخرين ومحاربة الفساد ونصرة المظلوم، فستميل إلى كل عمل فني يحوي تلك القيم النبيلة.

تغيير الذوق ليس قراراً داخلياً تتخذه كقرار تغيير الملابس أو شراء سيارة، بل هو يبدأ كعملية مراجعة ذاتية وهي ليست عملية سهلة، وأحياناً تكون مربكة ومخيفة، كونها خطوة جريئة قد تغير كثيراً من شكل النتيجة الحالية، وتقبّل النتيجة الجديدة والاعتراف بها شجاعة نادرة.

الذوق الفني يختلف عن الأذواق الأخرى، مثل الأكل والملابس والديكور. فلو امتلكت ذائقة في الطعام وعشقت الهريس مثلاً، فهذا لا يعني أنك ستبحث في تاريخ الأكلة. ولو كنت تحب موضة الثلاثينات في الملابس، فأنت حتماً لن تلبس قبعة الرأس المستديرة وتذهب لتمشي في الأسواق! ولو ارتدت فتاة فستان العشرينات وخرجت من المنزل لظنها الناس ممثلة في مسلسل مثلاً، يعني حتى تصور الناس يعكس أن الفتاة تمثل عالماً آخر، وليست جادة بارتداء طراز العشرينات.

لكن لو كان ذوقك فنياً، فحتماً ستتخذ قرار اكتشاف ماضي الأعمال التي تحبها، ولن تتوقف عند تلك التي أحببتها في طفولتك، أو تعلقت بها في مراهقتك، وستذهب بعيداً جداً عن حدود قوقعتك.

بالعربي: تغيّر وتطور الذوق عملية مرتبطة بالخبرة، إعجابك بعمل فني وأنت في العشرين تنقصه الخبرة والثقافة، وغالباً تظنه رأياً نهائياً، ومع الوقت يتكون عندك إلمام تدريجي بهذا الفن وعوامل تقييمه، وبالتالي يصبح ذوقك أكثر انتقائية. من المفيد أن تضع بعض الشك في رأيك النهائي، المتعلق بأي عمل فني، احتراماً لتغيرات الزمن. في النهاية المسؤولية بمقدار المعرفة.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر