5 دقائق

الأخلاق المكتسبة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يتمايز الناس في التعامل بينهم بمكارم الأخلاق، وهي محبوبة لكل إنسان، أياً كان دينه أو عرقه أو مكانته، بل هي معيار مكانة الإنسان عند الناس، ولعلها عند الله كذلك إذا كان غرسُها الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال لأشج عبد القيس «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة...».

ولكن الكثير لا يسعى إلى التحلي بالمكارم الخلقية التي يتمادح بها الناس وبها يتمايزون، ظناً منهم أنها جِبِليّة لا سبيل إلى كسبها، فإذا رأيت من هو سريع الغضب ونصحته بالحلم، قال لا أقدر، طبعي الغضب، وإذا رأيت من هو مقتر على نفسه وأهله ونصحته بالكرم، قال هذا تبذير، وإذا رأيت من هو سباب لعَّان فنصحته بالبعد عن ذلك، قال هذا لغو، أو هو يستحق، وإذا رأيت من ينُم أو يغتاب فنهيته ونصحته، قال هذه حقيقة، وإذا رأيت من هو ماكر مخادع فنصحته ونهيته، قال هذه شطارة..

وهكذا يبررون لأنفسهم مساوئ الأخلاق، مع أنها تسوؤهم إذا كانت عليهم، وقد صح في الحديث: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وكان الواجب على كل من ساء خلُقه في نفسه أو مع أهله أو مع مجتمعه أن يعالج نفسه، فإن هذا السوء مرض يقبل التداوي بلا شك، ودواؤه التريُّض على المكارم الخلقية حتى تصير طبعاً له، كما ورد عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحَلُّم، ومن يتحر الخير يُعطه، ومن يتوق الشر يُوقَه»، وما كانت توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام لأمته بالتحلي بالأخلاق الكريمة إلا لأنها تكتسب وتصبح طبعاً ثانياً للمرء، كقوله لأبي ذر رضي الله عنه: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، حتى إنه عليه الصلاة والسلام أخبر عن بعثته ورسالته أنها إنما جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، فأفاد أن بعثته خُلقية في المقام الأول، ومن أجل ذلك كان على خلق عظيم، وكان خلقه القرآن، وكان أحسن الناس خلقاً، وأمرنا أن نتبعه بأخلاقه الكريمة، بما لا يخفى على المسلم..

وطُرق اكتساب الأخلاق الحميدة كثيرة؛ فمنها معرفة المكارم الخلقية التي كان عليها سيد البشرية، صلى الله عليه وسلم، فيقتدي بها قولاً وعملاً، فيجاهد نفسه على الصبر كصبره والحلم كحلمه والكرم ككرمه والعفو كعفوه والصفح كصفحه والوفاء كوفائه والبِر كبِره والقناعة كقناعته والزهد كزهده والرضا كرضاه والمحبة كمحبته.. وهكذا في سائر أحواله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه الأسوة الحسنة في كل حال وعلى كل حال.

ومنها مجالسة الأخيار ذوي الأخلاق الكريمة؛ لأن المجالسة تكسب الطباع، كما قالوا:

فصحبة الأخيار للقلب دواء * تزيد في القلب نشاطا وقُوى.

وهذا صحيح؛ لأن للمصاحبة تأثيراً في اكتساب الأخلاق، فتصلح أخلاق المرء بمصاحبة أهل الصلاح وتفسد بمصاحبة أهل الفساد. ولذلك قال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي.

ومنها معرفة مكارم العرب، فإن الأمة العربية عرفت بالمكارم الخلقية عموماً، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «لقد جاء الإسلام وفي العرب بضع وستون خصلة كلها زادها الإسلام شدة، منها قرى الضيف، وحسن الجوار، والوفاء بالعهد»، وعرف منهم رجال تميزوا بمكارم خلقية فاشتهروا بها، كحاتم في الكرم، والسموأل في الوفاء، والأحنف في الحلم، وعنترة في الشجاعة، وسيدنا أبي بكر في الرقة، وسيدنا عمر في الشدة، وسيدنا عثمان في الحياء، وسيدنا علي في الزهد، رضي الله عنهم.

ومنها التأسي بحكيم العرب مؤسس الدولة، الشيخ زايد، رحمه الله تعالى، فكم له من المكارم الخلقية كرماً وحلماً ووفاء وتضحية وشجاعة ومحبة! وغير ذلك، فقد كان يعد مدرسة في الأخلاق الكريمة، وكثير منها موثق بالصوت والصورة وشواهدها المحسوسة.

ومنها النظر فيما يعيبه على غيره فيجتنبه، حتى لا يقع فيه وهو يكرهه، فلا يكون كمن يرى القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه.

رزق الله الجميع حسن الخُلق وصالح العمل.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر