كـل يــوم

ظاهرة التنمر الناعم!

سامي الريامي

مجتمع الإمارات لم يكن يوماً طبقياً، ولا يميّز بين الفئات والشرائح، ولا خلافات جوهرية في المظهر والملبس بين أفراده، فالثوب الذي يلبسه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، هو ذاته الذي يرتديه جميع مواطني الدولة، و«غترة وعقال» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، هي ذاتها بقيمتها والمواد المصنوعة منها موجودة لدى جميع المواطنين، والسيارة «النيسان» التي يقودها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، يقود مثلها عشرات الآلاف من المواطنين، وهي في متناول الجميع، ويستطيع أي موظف بسيط أن يشتري مثلها، هكذا هم قادتنا، وهكذا هي حال المجتمع منذ زمن طويل.

بالتأكيد هناك فروقات طبيعية في مستوى الدخل، وفي المزايا حسب المناصب الوظيفية، وهناك دون شك أغنياء وتجار، وغيرهم أقل حظاً في الرزق، هذا هو العالم بأسره، ولكن ذلك لم يؤثر يوماً في حياة المساواة التي يعيشها أفراد المجتمع الإماراتي، فلا أماكن مخصصة لا يدخلها إلا الأثرياء مثلاً، ولا ملابس خاصة لكل فئة من فئات الشعب، ولا تمييز بين غني أو فقير في المناصب والوظائف الحكومية في كل الدرجات العليا والمتوسطة والصغرى، وكل حسب اجتهاده وإمكاناته وتفوقه يستطيع أن يصل إلى أعلى السلم في وظيفته، وكل إنسان يستطيع أن يعيش كما يريد وفقاً لإمكاناته.

هذه ميزة عظيمة لا نريد أبداً أن نفقدها، خصوصاً بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، التي حولت المجتمع إلى مجتمع استهلاكي، يستهلك بالمنافسة والتقليد، وظهر مع تلك الوسائل، أولئك الذين ينشدون التميّز بالأسلوب الخاطئ، بأسلوب المباهاة التي يعيشونها في واقع افتراضي، ويحاولون فرضها واقعاً في المجتمع دون شعور.

ليس ما تلبس أو ما تلبسين من ساعات أو حُلي أو خواتم ومجوهرات، أو ما تقود من سيارات، أو ما تنقله عبر وسائل التواصل من مقتنيات غالية أو ما تعيشه من بذخ، هو الذي سيميّزك كإنسان ويرفع قدرك، ولن تضع هذه الأشياء الثمينة الشخص في طبقة أعلى من غيره، ولن تكون له أولوية إضافية في أي حق من حقوق المواطنة عن غيره، بل العمل والإنتاج والاجتهاد والإخلاص والابتكار هي ما يفعل ذلك.

الخطورة تكمن في «التنمر الناعم» إذا جاز التعبير، فمثل هؤلاء يتنمرون بسلوكياتهم وعرضهم للكماليات على غيرهم، ويضعون الأُسر والعائلات البسيطة تحت ضغط شديد من أبنائهم الصغار، لأن هذه الفئة من الصغار والمراهقين والمراهقات تحديداً، هي أكثر الفئات تأثراً ومتابعة للتواصل الاجتماعي ولـ«فشينستاته»، وتالياً فهم يعتقدون أن الحياة «الوردية» هي تلك الحياة التي يعيشها هؤلاء في حساباتهم الافتراضية، وأنها هي النموذج للحياة الجميلة الرائعة، التي لا تكتمل السعادة من دونها، فيبدأون التذمر والضغط على أولياء أمورهم وأسرهم لمسايرة وتقليد ما يرونه، وبذلك تكون وسائل التواصل الاجتماعي قد خلقت طبقة مزيّفة تتربح وتكسب المال على حساب قيم وأخلاقيات وسلوكيات المجتمع.

والخطورة الأكبر أن المجتمع يتحوّل «لا شعورياً» إلى مجتمع مظاهر وكماليات، ما يزيد من عادات الإنفاق العشوائي، والصرف بفوضى دون تخطيط، وهذا بدوره يلغي التفكير الادخاري أو الاستثماري لدى أفراد المجتمع عامة، والأجيال المقبلة تحديداً، فينتج عن ذلك أفراد استهلاكيون اتكاليون، يجيدون الإنفاق ولا يتقنون الإنتاج!

القائد الماليزي الوطني الكبير مهاتير محمد، في إحدى مقابلاته التلفزيونية تحدث عن برنامج مساعدة الأكثرية الماليزية، لكي تستطيع أن تنافس الأقلية الصينية التي تتحكم في التجارة، والأقلية الهندية التي تنافس بشكل قوي في التخصصات المهنية، فقال: «إن أكثر تلك البرامج قد فشلت، وأستطيع أن أضرب مثالاً مستوحى من الواقع الماليزي، فلو أعطيت مليون دولار لواحد من الأكثرية الماليزية أو الملاوية لاشترى سيارة لامبورغيني فاخرة، ولو أعطيت المليون لواحد من الأقلية الصينية لبدأ به مشروعاً تجارياً، ولو أعطيت المليون لواحد من الأقلية الهندية لاستخدمه لإرسال ولده إلى جامعة ليصبح طبيباً».

لذلك يقول مهاتير إنه حزين لقول ذلك عن بني قومه من الماليزيين، ولكنها الحقيقة ويجب أن تتغير عن طريق التعليم والتثقيف من مرحلة الروضة لكي يتعلم الماليزيون أهمية التوفير والاقتصاد والجدية والعمل والنشاط، وضرورة هجر حياة الدعة والكسل، ويجب أن ينفذوا تعاليم دينهم الإسلامي التي تحث على العمل والإنتاج وترك الحزبية الضيقة والفهم الخاطئ للإسلام. وجدير بنا خصوصاً في ظل هذه النزعات الاستهلاكية، وتعوُّد أبنائنا على الرفاهية، أن نبدأ في نشر ثقافة الاستثمار بالطريقة المنتجة والاقتصادية نفسها، لكي نستطيع أن نسيطر على اقتصادات بلادنا وإلا سيسيطر عليها الآخرون دون شك!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر