5 دقائق

أهلاً بعام التسامح في دولة التسامح

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

التسامح هو منهج الإسلام شريعة، وديدن المسلم سلوكاً، وهو الدليل الملموس على المسلم المتأسي برسول السماحة ونبي الرحمة، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فإنه هو الذي عرَّف رسالته بأنها رسالة سمحة، كما روى الإمام أحمد في مسنده من حديث صُدَيِّ بن عجلان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة»، وسئل عليه الصلاة والسلام عن الإيمان، فقال: «الصبر والسماحة»، فهذا تعريف جامع مانع لهذا الدين الخاتم من أنه دين سمح، أي سهل في تشريعاته عقيدة وعبادة ومعاملات مادية واجتماعية، أُسرية ودولية، ولذلك كان أحب الأديان إلى الله تعالى، كما روى أحمد وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأديان أحب إلى الله؟ فقال: «الحنيفية السمحة»، وهو تأكيد واضح لما ورد من النهي عن الغلو ومقت الله تعالى له، ولذلك علمنا القرآن الكريم أن ندعو بقوله سبحانه: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}، فيقول الرب سبحانه وتعالى: «قد فعلتُ»، كما رواه مسلم وغيره، أي رفعته عنكم، فلا تغلوا في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، وبذلك تكونون قد تحققتم بالديانة الأحب إلى الله تعالى.

والمستقرئ لنصوص الشرع الشريف قرآناً وسنة يجده مصبوغاً بهذه السماحة، فلا يجد جزئية منه، فضلا عن كليَّة، تخرج عن السماحة، لأنه تشريع الله تعالى، فمن سلك سبيلاً غير هذا المنهج فإنه يكون قد أخطأ، ولابد أن يعود إلى السماحة، شاء أم أبى.

والغريب في الأمر أن هذا المنهج الإسلامي العظيم السمح كاد يخفت نوره في عصرنا الحديث، لما أخطأ شارحوه ورِبِّيوه ــ إن صحت تسميتهم بذلك ــ فأغفلوه في مناهجهم وشروحهم وأطروحاتهم وأسلوب حياتهم، فنشأ جيل فظ في قوله، غليظ في تصرفاته، يتميَّز من الغيظ عند محاورة غيره، ولطالما كان خيار عباد الله يحذرون من ذلك، ولم يستفيقوا النصح إلا ضحى الغدِ، فكان لابد من جهد جهيد وعمل رشيد لإعادة المنهج الإسلامي السمح إلى واجهة المشهد تشريعاً وأسلوب حياة، إحياءً لما اندرس منه، وتصحيحاً لمسار من أخطأ طريقه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

وها هي دولة الإمارات العربية المتحدة تحيي هذا المنهج السمح الحضاري الأحب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بإعلان عام 2019 عاماً للتسامح، أي أنه عام يشاع فيه منهج الإسلام السمح مع الناس أجمعين، وفي جميع التعاملات، حتى يعلم الناس صورة الإسلام الحضاري الذي يألف ويؤلف، ويبر ويقسط، ويقيم الفضل قبل العدل، والإحسان قبل القسط، والمعروف قبل الحق...، وذلك من خلال البرامج المكثفة لإنجاح أهداف هذا التوجه التنويري للبشرية إن شاء الله تعالى.

كل ذلك مع أن الدولة حكومة وشعباً قد أخذت به سلوكاً متوارثاً، قبل أن يكون تشريعاً نظامياً، غير أن خيريتها لدينها وأمتها الإسلامية والعربية تأبى عليها أن تستأثر بالخيرية حتى تشرك غيرها فيها، من واقع النماذج العملية التي تنتهجها، فتكون أسوة لمن أراد لنفسه الخير في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

نعم، لقد عفت الدولة السماحة الإسلامية يوم أن عايشت الأمم المختلفة بمحبة وإيثار وتقاسم للمصالح والخيرات ونصح للقريب والبعيد، وأسهمت في رفع معاناة المحتاجين ونصرة المظلومين، هي كذلك من يوم أن قامت وهي تحمل راية الإسلام في سلوكها الحضاري المنفتح على الآخر، لتعطي الآخر إفادة أن الإسلام لا يعرف الانغلاق، ولا يقبل المصادرة، ولا يحب الأنانية، ولا يفرط في حق، ولا يرضى أن يبدل به غيره، فعرفها الناس أنها دولة ذات مصداقية في القول والفعل، وأن الإسلام الذي تدين به يزيدها قوة ومَنَعة، واحتراماً لها وللإسلام.

أدام الله عز هذا البلد المبارك، وعز أهله في كل زمان ومكان.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه. 

تويتر