كـل يــوم

حجز جواز السفر على ذمة قضايا.. لماذا؟

سامي الريامي

جواز السفر ليس مجرد وثيقة للتنقل بين دول العالم، بل هو في الإمارات أساس للحياة العملية لكل شخص، وهو يُشكل مع بطاقة الهوية حالياً عصب الإجراءات والمعاملات كافة التي يحتاج إليها كل مواطن وأفراد أسرته، فلا يمكن الاستغناء عنهما، لأنهما مرتبطان بكل تفاصيل الحياة المتعلقة بالجهات الحكومية، لذلك فجواز السفر يُشكل، بمعنى الكلمة، وثيقة لا يمكن العيش من دونها.

ومن هنا، نجد أنه من الغريب حقاً استمرار بعض الجهات «القانونية» الرسمية بالدولة في اتخاذ قرار بحجز جواز السفر للأشخاص المتورطين في قضايا مالية أو غير مالية حتى تنتهي قضاياهم، ومثل هذه القضايا تحتاج أحياناً إلى سنوات طويلة كي تنتهي، ما يعني معاقبة الشخص وأفراد أسرته كافة، وإيقاف حياتهم بشكل كامل إلى أجل غير مسمى، وهذا من دون شك أمر مستغرب، فما ذنب بقية أفراد الأسرة في تورط مُعيلهم على سبيل المثال في قضية مالية؟!

قد يكون الهدف من إجراء حجز جواز السفر هو منع المتورط من السفر، أو بمعنى أصح من الهروب، إن كان ذلك صحيحاً، فالإجراء لا يتناسب أبداً مع التطوّر الإلكتروني والذكي الذي تمر به حكومة دولة الإمارات، حيث يمكن منع الشخص من السفر عبر وضع اسمه إلكترونياً وربطه بمنافذ الدولة كافة، من دون الحاجة إلى حجز جواز سفره، وفي كل الأحوال فالجهات الشرطية تستطيع ضمان إحضار أي متهم في قضية ما في أي وقت تريده المحكمة، ما يجعل إجراء حجز جواز السفر غير مبرّر ولا ضرورة له!

هناك كثير من الحالات وهي في الغالب لأولياء أمور مواطنين لأُسر وأطفال، حياتهم متوقفة بسبب هذا الإجراء، لدرجة أن بعضهم لا يستطيع إصدار جواز سفر جديد لأي مولود جديد له، ومنهم من لا يستطيع تجديد أي وثيقة رسمية أخرى إذا انتهت صلاحيتها، كرخصة القيادة أو بطاقة الهوية أو بطاقة التأمين الصحي، ومنهم من لا يستطيع إدخال ابنه أو ابنته الصغيرة إلى الحضانة أو الروضة، وأشياء أخرى كثيرة تتضرّر منها العائلة ككل، فما دخلهم بذلك؟ وما ذنبهم؟ وهل المطلوب معاقبتهم جميعاً على فعل ارتكبه عائلهم؟ لا أتوقع أبداً أن الجهات المعنية تقصد ذلك، ولا أعتقد أن حجز جواز السفر ضروري جداً للدرجة التي لا يمكن إيجاد بديل آخر له!

في دبي، طبقت النيابة العامة مبادرة متميزة جداً، أطلقت عليها مبادرة «الكفالة الذكية»، حيث بدأت النيابة إجراءات عدم احتجاز جوازات سفر على ذمة القضايا، أو في حالات الكفالة، وذلك في إطار مبادرة ذكية تتيح تخزين بيانات الأشخاص إلكترونياً من دون الحاجة إلى حجز جوازات سفرهم، وتم تطبيقها عملياً في أحد مراكز الشرطة بالإمارة.

وبحسب المبادرة، فإن الأشخاص الذين تصدر النيابة العامة أوامر الإفراج بكفالة عنهم، لن يكونوا بحاجة إلى وضع جواز سفر بديل لشخص آخر، سواء كان من أقاربهم أو أصدقائهم، أو حتى حجز جوازات سفرهم، إذ سيتم إدراج بياناتهم في قوائم الممنوعين من السفر من دون الحاجة إلى احتجاز جوازات سفرهم.

وتشير إحصاءات النيابة العامة إلى أن إجمالي الجوازات التي احتجزت على ذمة قضايا، خلال العام الماضي، بلغ 50 ألف جواز، لكن في ظل المبادرة سيتم تخزين بيانات المقيمين أو الزائرين على النظام الإلكتروني للنيابة العامة، ما يسهم في انخفاض هذا العدد من الجوازات بنسبة تتجاوز 70% خلال العام الأول لتطبيقها، بحسب النتائج المتوقعة.

مثل هذه المبادرة تُحقق الكثير من الأهداف الراقية، منها جوانب إنسانية تتمثل في الحد من حبس المتهمين في القضايا البسيطة، مثل الشيكات، ما يساعدهم على حل مشكلاتهم، فضلاً عن تقليل نفقات توقيف المتهمين أو حبسهم، بالإضافة إلى إلغاء الكفالة بحجز جوازات السفر، وضمان تنفيذ الأحكام، وصولاً إلى هدف أسمى هو إسعاد المتعاملين، فلِمَ لا تكون هذه المبادرة هي حجر الأساس لنشر هذا الفكر المتطوّر في جميع الجهات الرسمية الأخرى؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر