مئوية زايد العظيم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

كلما جاء التاسع عشر من شهر رمضان نتذكر ويتذكر معنا كل خيّري الدنيا ذلكم الرجل العظيم الذي اختاره الله تعالى لجواره في ذلكم اليوم المبارك، ويتذكرون مآثره التي ينوء بها الحصر، فتركها ليعيش بها حياً بين الأجيال المتعاقبة، وكما قال المتنبي:

ذِكرُ الفتى عمرُه الثاني وحاجته ما فاته وفضول العيش أشغالُ

وقول الآخر:

كم من طويل العمر بعد مماته ويموت آخرُ وهو في الأحياءِ

ودليل ذلك أن الرحمات والدعوات المباركات والشهادات الصادقات تترى عليه، فيتضاعف أجره وهو في عالم الأموات كما لو كان يعملها وهو في دار الشهادة.

نعم يتذكر الكل ذلكم الإنسان العظيم في إيمانه، فكان ينضح بالإيمانيات التي اعتبرت وصايا صادقة لمن بعده في الثبات على الإيمان بالله والتمسك بشرعه القويم، والسير على منهج سيد الأولين والآخرين.

ويتذكر الكل ذلكم الإنسان العظيم في بذله وسخائه، فقد كان يحثو المال حثياً متى وجد باباً صالحاً للإنفاق النافع المفيد، فما بقي بلد قريب ولا بعيد إلا أصاب من خيره، ولئن عد العادون 90 ملياراً أنفقها في فترة حكمه في وجوه الخير، فإن ذلك ما تناولته أيدي الحساب، أما الذي كان من صدقة السر والعطاء الشخصي فلعله لا يقل عن ذلكم العدد الضخم. ومع ذلك العطاء الضخم فإن الله تعالى كان يخلف عليه أكثر.

ولقد سن في هذا الشهر الكريم سنة حسنة هي استضافة العلماء والدعاة من مختلف البلاد الإسلامية، لينشروا ما عندهم من نور الكتاب والحكمة على الشعب الإماراتي ومن جاورهم من إخوانهم المقيمين أو الزائرين، حتى يظلوا متمسكين بدينهم وشريعة ربهم وأخلاق الإسلام العظيمة، وكان الهدف الأسمى من ذلك هو أن يجيزهم كما يجيز الوفود الرسمية من عطاءاته السخية، وهي السنة النبوية التي أحياها وقد كانت ميتة، ثم ظلت هذه السنة في عهد خليفته المبارك، وستظل إن شاء الله إلى آخر الدهر ببركة أبنائه البررة الذين هم حسنات أبيهم طيب الله ثراه.

ويتذكر الكل حكمته وحنكته التي استطاع بها أن يجمع الشعب الإماراتي تحت راية وقيادة وسياسة واحدة بكل محبة ووفاء وولاء، فأصبحت منظومة الإمارات عقداً واحداً، عزيزاً منيعاً متطوراً فائق التقدم والرقي، وغدت كحلقة مفرغة لا يُدرى أين طرفاها؛ لأنه أرسى قواعد الحضارة والعدالة والنظام، وأسس البناء القوي، الذي يشتد يوماً بعد يوم.

ويتذكر الكل طموحه العظيم لوحدة الأمة العربية والإسلامية وحفاظه على مقدراتها، وسعيه الدائب لجمع كلمتها والدفاع عن مصالحها، حتى وإن كان في ذلك شيء من التضحية بمُقَدَّرات الدولة كما فعل يوم أن أوقف ضخ البترول عن أعداء الأمة، وقال مقولته الخالدة: «النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي»، أي فحيث استبيح الدم العربي من قبل دول العدوان فلا نستغلي النفط الذي يعتبر وسيلة لعدوانهم، بل نسترخصه ونمنعهم منه حتى يوقفوا نزيف الدم العربي.

ويتذكر الكل محبته لأهله وعشيرته، فآثرهم بما ينفعهم من قليل المال وكثيره، ويسر لهم سبيل العيش الكريم بما أعانهم عليه من تشجيع على الزراعة والتجارة والخيل المسومة والأنعام والحرث، التي هي زينة الحياة الدنيا، فما بقي أحد من الشعب إلا وكان له نصيب من ذلك مما قل أو كثر.

ويتذكر الكل مواقفه العظيمة مع الدول والشعوب التي تتعرض لنكبات، فكان أول مسعف ومغيث قبل أن تأتي الدول المتحضرة، المسماة بالعالم الأول - إن هي حضرت - وإلا كان هو السابق والمصلي، كما يعرفه محبو الفروسية.

ويتذكر الكل فضائل الرجال وكراماتهم وشيمهم التي كان يتحلى بها، فكان أمة واحدة، جمع ما تفرق في غيره من خصال الكمال.

وليس على الله بمستنكرٍ أن يجمع العالم في واحدِ

يتذكر الناس أجمعون هذه المواقف العظيمة وغيرها كثير يوم وفاته في التاسع عشر من شهر رمضان عام 1425هـ الموافق للثاني من نوفمبر عام 2004م، فتكون هذه الذكريات عامل ثبات على مبادئه ووصاياه.

 «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر