كـل يــوم

لابد من مدوّنة لأخلاقيات الوظيفة العامة!

سامي الريامي

ليس عيباً، ولا خطأً، إن كنت موظفاً، وساعدت صديقاً أو قريباً على إنهاء معاملة معينة، وليس عيباً إن كنت مديراً أو مسؤولاً أن تُعيِّن أو تساعد في تعيين صديق أو قريب في وظيفة معينة، لكن العيب والخطأ في امتناعك عن تقديم المساعدة ذاتها، لتسهيل إنهاء المعاملة ذاتها لشخص آخر لا تعرفه، ولكونك فقط لا تعرفه، وكل العيب والخطأ في تعيينك صديقاً في وظيفة لمجرد كونه صديقاً أو من طرف صديق، دون أن يكون كفؤاً ومناسباً للوظيفة، والعيب كل العيب في حرمان شخص آخر من الوظيفة، رغم أنه أكثر تأهيلاً لشغلها، لسبب وحيد هو أنك لا تعرفه أو لم يوصِّ عليه أحد!

مثل هذه الأمور، وغيرها أمور أخرى كثيرة، تعتبر في دول متقدمة تجاوزاً للقوانين ولأخلاقيات الوظيفة، فلكل وظيفة هناك شروط وقواعد، وقيم وأخلاقيات لا يجوز تعديها أو تجاوزها، هذه القيم تدون رسمياً وتوثق بشكل رسمي في الدوائر والمؤسسات الحكومية، وتُعرف بين الموظفين باسم «مدونة أخلاقيات العمل»، وتعني ببساطة مجموعة القيم والسلوكيات التي ينبغي أن يتبعها الموظفون أثناء أداء مهامهم، وفي إدارة العلاقة بينهم من جهة، ومع جمهور المستفيدين من جهة أخرى!

ونحن هُنا نحتاج في دوائرنا ومؤسساتنا ووزاراتنا مثل هذه المدونة، نحتاج أن يعرف الموظفون والمسؤولون حدود صلاحياتهم، والتزاماتهم، وواجباتهم تجاه الوظيفة، ونحتاج أن نجعل أخلاقيات المهنة ثقافة عامة بين الموظفين، يؤمنون بها، ويقتنعون بها، ويطبقونها ذاتياً كقناعة، وليست كتعليمات وتوجيهات وأوامر، فالاقتناع الذاتي هو الذي يوقف الموظف عن أي فعل منافٍ ومخالف للقوانين، وهو الذي يجعله مخلصاً في العمل منتجاً بفاعلية وكفاءة، أما التنفيذ خوفاً من المدير أو العقوبة، فإن ذلك يعني حتماً غياب التنفيذ بغياب المدير أو العقوبة!

كثير من الموظفين يطالبون بشكل مستمر بمزايا وزيادات وعلاوات وترقيات، وهذا حق طبيعي، لكنهم في المقابل لا يدركون أن فقدان المزايا أو الترقية لا يمكن أن يكون مسوغاً مقبولاً لقلة الإنتاج أو نشر السلبية أو انتقاد المديرين وعدم احترامهم، فمن أهم الالتزامات الوظيفية التي لابد للموظف اتباعها - بغض النظر عن وضع الترقيات أو الزيادات أو المكافآت في المؤسسة - أن يتقيد بتنفيذ أوامر رؤسائه وتوجيهاتهم وتعليماتهم وفق السلم الإداري، وأن يتعامل معهم باحترام، وأن يمتنع عن الحديث السلبي في الممرات وأروقة المؤسسة ووسائل التواصل عنهم، وعن أدائهم، كما لا ينبغي عليه تقديم معلومات خاطئة، أو إخفاء معلومات متعلقة بالعمل من أجل التأثير في القرارات المتخذة، وأن يتعامل باحترام ولباقة وصدق مع زملاء العمل، ويمتنع عن أي تصرفات أو ممارسات أو أعمال غير أخلاقية!

وكثير من المسؤولين، أيضاً، لا يدركون أن المسؤولية تتبعها التزامات، وأنهم ملزمون بأن يكونوا قدوة حسنة، وأن يكونوا المثل الأعلى للمرؤوسين في المعاملة والأخلاق والالتزام بقوانين العمل، فالمسؤولية لا تعني أبداً القفز على القوانين، كما أنهم ملزمون بتحقيق العدالة في الثواب والعقاب، والالتزام بالصدقية والشفافية، واحترام جميع الموظفين، وحُسن معاملتهم!

كل هذه الأمور، وغيرها، هي من صميم أخلاقيات الوظيفة العامة، لذلك من الضروري بمكان أن تكون هناك «مدونة» موثقة ومكتوبة لأخلاقيات الوظيفة العامة لجميع الدوائر المحلية، فهي أشبه بدستور أخلاقي يتبعه المسؤول والموظف، حفظاً لحقوق الوظيفة ومكان العمل، وحفظاً لحقوق جميع العاملين فيه!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر