5 دقائق

النرجسية وتأثير الهالة

عبدالله القمزي

من الآفات الاجتماعية الخطيرة المنتشرة بيننا، مرض النرجسية الذي من أعراضه استعراض شخص قدراته بغرض تسويق نفسه، من دون أن يكون ذا علم أو معرفة، بل هو فارغ وسطحي ولا حدود لجهله.

خطورة هذا المرض لا تقتصر على المصاب به، بل تمتد وتعمي الآخرين.

خطورة هذا المرض لا تقتصر على المصاب به بل تمتد وتعمي الآخرين عندما يصطحب معه ظاهرة تسمى في علم النفس بـ«تأثير الهالة»، (طرحها خبير علم الإدارة، الأستاذ محمد النغيمش، في أكثر من مقال)، يعني أن الشخص يرسم لنفسه صورة جذابة جداً ليست حقيقية، تتسبب في خداع الآخرين، وتخلق تحيزاً لمصلحته ضد زملائه أو أقرانه أو أشقائه، بحسب المحيط الاجتماعي.

أو يمكن شرحها بأنها حالة من الانجذاب الحسي لشخص ما، أو الميل إلى الحكم على شخص طبقاً لمظهره أو جاذبيته أو سلوكه أو سماته، والتحيز لمصلحته ضد ذلك الذي يبدو أقل جاذبية.

فنرى أباً ينحاز لابن أو بنت ضد بقية الأبناء، ونرى مدرساً ينحاز لطالب، أو مديراً ينحاز لموظف ضد زملائه. من سمات الابن ذي الهالة أنه يسير العائلة حسب مزاجه، والمدرس يظلم الطلبة أو يتصيد أخطاءهم من أجل إبراز طالبه المفضل.

في العمل مثلاً، نرى مديراً ما يسمع من شخص واحد فقط، وينحاز معه بشكل لافت للنظر، ويتركه يفعل ما يشاء، فيتعدى على زملائه وينسب عملهم لنفسه، ويُمضي جل وقته في اللعب والحصول على ما يريده جاهزاً، ومهما تجاوز صاحب الهالة حدوده فلن يلتفت المدير إلى الشكاوى، لأنه مصاب بالعمى، وينظر إلى ذلك الشخص كملاك أو خبير أو عبقري لا يمكن تعويضه.

لو تتبعنا كيف تكونت الهالة حول شخص ما، سنلاحظ أنها غالباً جاءت من تكوين الانطباع الأول، فالنرجسيون هم الأبرع في رسمها حولهم من أول لقاء مع رؤسائهم، وفي حالات نجدها تكونت أثناء المقابلة الوظيفية، فينحاز أحد أعضاء لجنة توظيف لمصلحة مرشح ويأخذه تحت جناحه.

لو نظرنا إلى حسابات النرجسيين من أصحاب الهالة، سنلاحظ سمة واحدة تكاد تكون مشتركة: وجود العديد من المسميات والألقاب قبل أسمائهم، وعندما تتحدث معهم يغرقونك بحديث كله بديهيات ومسلّمات ويسوقونه إليك كأنه علم جديد، مثلاً الإنسان كائن ذو مشاعر وبحاجة إلى الطعام يومياً كي يعيش!

طريقة حديثهم تتسم بالاندفاع الشديد، والنظر في عينيك مباشرة والثقة العالية بالنفس، ولا يترك لك فرصة للرد، سلوكه العام يعكس غروراً وتعالياً يغطيان معاناة من الإذلال والعار. كلامه مليء بإنجازات لا وجود لها، وإن وجدت فهي جاهزة حصل عليها بحيلته، وبهذا يغطي حالة من الخوف والفشل والرفض الاجتماعي، يدعي لنفسه استحقاقاً ذاتياً ليغطي حالة من الحرمان المرّ.

ختاماً: الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، من أفضل من وظف تأثير الهالة بشكل فعال، عندما استخدم نجوم الفن والسينما، ممن يشاركونه فكر أقصى اليسار، في تشجيع الشعب الأميركي والعالم على قبول زواج منحرفي السلوك ودمجهم في المجتمع، فتأثير هالة نجوم السينما كبير في الناس لأنهم يطبعون صورة الأبطال المحبوبين اللطيفين الجذابين في أذهاننا، من خلال الشخصيات التي يتقمصونها، وبالتالي يتقبل الجمهور منهم بشكل كبير، بسبب الهالة الرهيبة التي يتمتعون بها والتي يوظفونها لترويج ما يريدون.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر