كـل يــوم

عندما أصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له

سامي الريامي

بحسب كتاب «سيكولوجية الشائعة»، فإن انتشار الشائعة يساوي أهمية الموضوع المتصل بالشائعة، مضروباً في مدى الغموض حوله، الأمر الذي يعني أن الشائعة تكون أكثر انتشاراً كلما كان الموضوع مهماً وكبيراً، ويشغل حيزاً من اهتمامات الجمهور الذي يتطلع إلى معرفة أي أخبار حول هذا الموضوع. والعكس تماماً يحدث إذا ما فقد الموضوع أهميته، أو كانت المعلومات حوله واضحة ومحددة، فإن الشائعة لن تجد من يبدي بها اهتماماً. وهذا يعني بكل اختصار أن غياب المعلومة الحقيقية في الوقت المناسب لنشرها، هو الوقود الذي تتغذى عليه الشائعات لتنتشر، وتتضخم، وتالياً تصعب السيطرة عليها، بل يصعب إقناع الناس بنفيها لاحقاً، فتأثير الشائعة غالباً ما يكون أشد من تأثير النفي، وانتشارها كذلك أسرع بكثير من انتشار نفيها، وهذا ما أكده تقرير أعده باحثون من معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا»، حيث يقول: «الأخبار الكاذبة تنتشر بسرعة أكبر من الحقيقة قدرها الباحثون بنحو 70%، عبر أحد منافذ التواصل الاجتماعي من خلال ما ينشره الأفراد»، وهذا ما يجعل مسؤوليات الإعلام الرصين ومؤسسات الدولة المعنية مضاعفة!

الشائعات والأخبار الكاذبة كانت هي المحور الأساس في جلسات الملتقى الإعلامي العربي 2018 في الكويت، الذي ناقش على مدار يومين، كيفية معالجة الأخبار الكاذبة، وتجنب اللبس في نشر الخبر الصحيح، فهذه المعالجة مازالت تشكل هاجساً حقيقياً لدى كثير من الدول، خصوصاً في ظل الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي، التي ضاعفت من إمكانية انتشار الشائعات، بعد أن أصبحت وسيلة فعّالة وسهلة لكتابة الأخبار ونشر المعلومات، بغض النظر عن صحتها، وضمان وصولها إلى الملايين في ثوانٍ بسيطة، ما خلق تحدياً جديداً أمام الجهات الإعلامية والحكومية والأمنية، لأنه من الصعب جداً مكافحة وإيقاف هذه الظاهرة، والجميع يجتهد ويحاول ويفكر في كيفية الحدّ من انتشارها وإضعاف تأثيرها، لا أكثر من ذلك!

وفي كلمة رائعة بمناسبة افتتاح الملتقى، واختيار الشارقة ضيف شرف هذا العام، وضع الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مجلس الشارقة للإعلام، يده على موضع هذه المشكلة، ومصدر الألم فيها، فقال: «إن موضوع الأخبار الكاذبة مرتبط بالدرجة الأولى بأخلاقيات المهنة، التي تعد جوهر العمل الإعلامي، لما له من تأثير في مختلف شؤون الحياة، والأخلاقيات لا تحكمها القوانين والأنظمة، وإنما نابعة من روح المسؤولية الذاتية لناشري المعلومات والأخبار، وأهدافهم وأجنداتهم، ومن المؤثرات السلبية التي انعكست على انتشار الأخبار الكاذبة، اتساع رقعة القائمين على العملية الإعلامية لتصبح للأسف الشديد (مهنة من لا مهنة له)، وظهور ما يسمى بدخلاء المهنة، الذين لجأوا إلى المنافسة غير المتكافئة، بنشر الشائعات والمعلومات، والحقائق المغلوطة لجذب الجمهور»!

والوصفة التي يراها الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي مناسبة في هذا الوقت هي «تعزيز الثقة بالإعلام، وإعادة بناء إعلام مسؤول لديه القدرة على المخاطبة والمنافسة، ولابد من النظر إلى أهمية تكامل الرؤية الإعلامية العربية، وتوحيد الخطاب والأهداف، بما يصب في خدمة مصالح المنطقة وتطويرها»، ولاشك أبداً في ضرورة حدوث ذلك، نظراً لجسامة المسؤولية التي يتحملها الإعلام في ظل هذه الثورة المعلوماتية الهائلة، وفي ظل منافسة شديدة، حيث وجدت جميع الأصوات متنفساً لها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتميز بسرعة نقل المعلومات، سواء كانت تلك المعلومات صحيحة أو خطأ، ما يحتم مراجعة الأدوات، وتجديد أساليبها بشكل سريع.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر