كل يوم

إعلام المستقبل

سامي الريامي

هناك دروس كثيرة مستفادة من حادثة المذيع يعقوب العوضي، مع المواطن علي محمد المزروعي، على إذاعة «الرابعة والناس»، وبما أنها زامنت منتدى الإعلام العربي، الذي انطلق في دبي، أمس، بحضور كوكبة مميزة من أفضل الإعلاميين على مستوى الوطن العربي، كان لابد للاستشهاد بها من زاوية التحولات الإعلامية المؤثرة، وهذا بالمناسبة عنوان المنتدى لهذا العام.

المعادلة الإعلامية تغيرت، فلم تعد، كما كانت، مُرسلاً ومُستقبلاً ومتلقياً، بل أصبح هناك طرف رابع في المعادلة، هذا الطرف هو الجمهور بتفاعله مع المادة، أو المحتوى، أو الرسالة، التي يبثها المُرسل، هذا التفاعل أصبح أكثر تأثيراً، وقدرة على التغيير مما يعتقد المرسل أو الوسيلة الإعلامية، وهذا التأثير هو الذي قلب الطاولة على مذيع يتحدث في إذاعة بطريقة غير مناسبة مع مواطن، وتحول إلى ردود فعل وتفاعل، بعيداً عن الإذاعة، وتترجم إلى قرارات وردة فعل حكومية رسمية!

وهذا في حد ذاته أحد أهم وأقوى التحولات الإعلامية المؤثرة، فهناك أهمية بالغة لرصد توجهات المتلقي وآرائه ومتطلباته، ومن لا يأخذ بعين الاعتبار أهمية اجتذاب أكبر عدد من المتلقين، سيجد نفسه خارج المنافسة والتأثير، والمعادلة القديمة القائمة على ثلاثة أطراف، هي: المرسل والمستقبل والرسالة، انتهت حتماً، وأصبح عنصر المشاركة والتفاعل المحور الأساسي لنجاح الإعلام، لأن المتلقي لم يعد يكتفي بهذا الدور!

لعلنا، ونحن نتفحّص عنوان منتدى الإعلام لهذا العام، بوجود هذا العدد الكبير من الإعلاميين العرب، نجد أنه من المناسب جداً أن نشير إلى جملة من المتغيرات التي طرأت على بعض المفاهيم الإعلامية، فرضتها التطورات المتسارعة التي شهدها حقل الإعلام، وهي بحاجة إلى تغيير أو تصحيح.. إذا صح التعبير.

فتداول مصطلح الإعلام التقليدي أصبح غير دقيق، ويشي بأن صحافتنا وإعلامنا أصبحا قديمين وخارج الزمن، وهذا أمر غير صحيح، فالإعلام واكب التطورات التقنية بشكل واضح، وتكيّف مع أدوات التواصل الحديثة بكل تفاصيلها، لكنه بقي إعلاماً، وهذا هو المهم، وفي المقابل: هل قدم إعلام التواصل الاجتماعي شكلاً جديداً من الإعلام لم نألفه مثلاً؟ لا أعتقد ذلك، لذا أقترح إلغاء كلمة التقليدي، واستخدام مفهوم «الإعلام الاحترافي أو المحترف»، أو «الإعلام الجديد».

أيضاً لم يعد في مهنتنا إعلام مرئي فقط، أو مسموع فقط، أو مكتوب، هذه مسميات قديمة يجب أن تتغير، فمحطات التلفزة دخلت إلى الصحافة المكتوبة بمواقع إلكترونية، والصحف جسّرت المسافة بينها وبين الإذاعات ومحطات التلفزة بما تنتجه من مواد سمعية وبصرية، وأصبح التنافس شديداً لإنتاج المواد الإعلامية «المكتملة» بالصوت والصورة والكلمة، وعليه لم يعد من مسوّغ لاستخدام هذا التصنيف عند الحديث عن الإعلام، ولعلنا نعود إلى التسمية الأصح وهي: «الإعلام الجديد».

كما أنه من الضروري رصد تغير مفهوم الصحافي نفسه، فلم يعد هناك وجود للمحرر الصحافي بشكله التقليدي، الذي يحمل دفتراً للكتابة، ويصطحب مسجلاً بيد، وبيده الأخرى كاميرا، ويذهب لمؤتمر صحافي، ثم يعود إلى صحيفته ويكتب التغطية لتنشر في اليوم التالي. والزملاء الذين لم يتطوروا، ولم يتجاوزوا هذا الشكل التقليدي للمراسل أو المحرر الصحافي، أصبحوا خارج اللعبة تماماً. وحلّ محلهم الصحافي الذي يحمل هاتفاً ذكياً موصولاً بالإنترنت، يكتب تغريدة وينشرها فوراً في منصات التواصل الاجتماعي، ثم يكتب خبراً موسعاً، ويرسل الصور والخبر إلى الموقع الإلكتروني، كما يصور فيديو للحدث، ويقوم في أحيان كثيرة بعمل المونتاج اللازم، وإرساله إلى الموقع لنشره في الآن نفسه، بدلاً من الانتظار لليوم التالي.

باختصار.. من لا يحمل المهنة بكف والتقنية بالكف الأخرى، لن يكون له مكان في إعلام المستقبل، هذا إن لم يكن في إعلام الحاضر أيضاً!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر