5 دقائق

العش الفارغ

الدكتور علاء جراد

الحب والزواج وتكوين أسرة سعيدة وأبناء ناجحون هي أمنية يتفق عليها غالبية البشر، ويكدح الأب والأم ليلاً ونهاراً لتأسيس وبناء العش الجميل الذي يوفر لطيورهما الصغيرة الدفء والأمن والأمان، والملجأ الدافئ الذي يليق بهم، ولا يألون جهداً في مد ذلك العش بكل ما يجعله البيئة المثالية لأبنائهما سواء كان مادياً أو معنوياً، وفجأة وبعد سنوات تمر سريعاً لم يشعر بها الأبوان، يخلو العش من الطيور الجميلة ويصبح فارغاً، فتتغير الحياة ولا تعود كما كانت أبداً، وهذا ما يطلق عليه «متلازمة العش الفارغ».

• الانشغال الزائد بالعش وتأمينه قد يلهي الأهل عن الكنز الكامن في العش ومصدر السعادة وهم الأبناء.

هذه المتلازمة هي متلازمة غير سريرية يمر بها الكثير من الآباء والأمهات عندما يغادر أبناؤهم المنزل، وخاصة مع مغادرة الطفل الأصغر، وسواء غادر الأبناء المنزل للدراسة أو للعمل أو الزواج، ففي كل الأحوال يتسبب ذلك في شعور بالألم والحزن والوحدة للأبوين، ما يؤثر سلباً على حياتهما، وقد يصل إلى حد الاكتئاب الذي تختلف درجاته، كما يتولد لدى بعض الأهل الشعور بفقدان الغرض من الحياة بل وفقدان الاهتمام بالحياة نفسها، وتتضارب المشاعر بين افتقاد الأبناء والخوف عليهم، والندم على الوقت الذي لم نقضه معهم لاهتمامنا ببناء العش على حساب اهتمامنا بساكنيه، وعلى الرغم من أن العش هو وسيلة وليس غاية، فإن البعض دون أن يدرك يجعل العش هو الغاية، وما إن يبنه ويجهزه حتى يحاول الانتقال لعش أكبر أو يتدخل في حياة أبنائه ببناء أعشاش لهم مجاورة لعش الأسرة، وفي كل الأحوال فالانشغال الزائد بالعش وتأمينه قد يلهي الأهل عن الكنز الكامن في العش ومصدر السعادة وهم الأبناء.

لقد أفرد مستشفى «مايو كلينك» موقعاً على الإنترنت لإلقاء الضوء على هذه المتلازمة وأساليب التعامل معها، وأهمها أن يتهيأ الأبوان نفسياً لهذه اللحظة وقبل ذلك أن يقضيا الوقت الكافي من حيث الكم والكيف مع أبنائهما، وأن يستغلا هذه المرحلة لإعادة إيقاد شعلة الحب بينهما وممارسة الهوايات التي لم يتمكنا من ممارستها سابقاً، وأن يعيد كل منهما اكتشاف الآخر، وفي الوقت نفسه التواصل الدائم مع الأبناء، وخاصة أن التكنولوجيا سهلت هذا الأمر كثيراً. كما يمكن إعادة التواصل مع الأصدقاء القدامى وزملاء الدراسة والتواصل مع الأصدقاء والعائلات الذين يمرون بالمرحلة نفسها، وبالتأكيد فإن ذلك سيكون له مردود إيجابي، بل سينعكس على الأبناء لعلمهم بأن أبويهم سعيدان وقد تأقلما مع غيابهم. فلنغتنم الفرصة من الآن ونهتم بمن نحب ونقضي معهم وقتاً بجودة عالية نخصصه لهم، فالدقيقة التي تمر لا تعود أبداً.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر