أبواب

6 دقائق فقط

أحمد حسن الزعبي

تباطأ تردد شبكة الكهرباء في أوروبا، فتأخر الملايين عن عملهم ووظائفهم.

ما أسوأ التنظيم العالي والحسابات الدقيقة، حيث يعتمد الناس كلية على الوقت المحدد والمسار المحدد والاستهلاك المحدد، وأي تعثّر بسيط تتداعى أحجار الدومينو خلف بعضها.. أما الفوضى فهي مريحة جداً وعظيمة جداً، لأنك لا تتوقع شيئاً بالأصل، ولا تتوقع امراً سيئاً إلا ويحدث ما هو أسوأ منه.

قبل أسبوعين أو أكثر بقليل تأخر ملايين الأوروبيين عن مراكز عملهم، بعد أن تباطأ تردد شبكة الكهرباء التي تمر بـ«25» دولة أوروبية من البرتغال إلى ألمانيا، الأمر الذي أدى إلى تأخر القطارات المربوطة بالتردد الكهربائي نحو ست دقائق.. طبعاً يرجع الأخصائيون سبب التباطؤ إلى أن الساعات الكهربائية التي تعمل بتردد الطاقة - بدلاً من متذبذب الكوارتز البلوري الإلكتروني - تأخرت لمدة ست دقائق بسبب الظروف الجوية وطبيعة الجغرافيا، بالطبع أنا «مش فاهم» متذبذب الكوارتز البلّوري ولا الفسفوري، الذي يتحدثون عنه، لكن هم يقولون هكذا.

ما يهمّني من هذا الخبر أنني في الجامعة كدت أن أفصل من السنة الدراسية الأولى بسبب تعدّد الغيابات عن المحاضرات، لا إهمالاً ولا تقصيراً، وإنما بسبب تبخّر الحافلات، أصحو في الصباح المبكر أنتظر قدوم الحافلة التي ستقلني إلى المدينة، ثم أنتقل من هناك بوسيلة مواصلات أخرى إلى الجامعة ولا تحضر.. الفصل الثاني تحديداً من كل عام يكون فصلاً مربكاً وعدد حضوري لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.. إذ دون سابق إنذار يقرر مالك الحافلة تأجير حافلته لإحدى الرحلات المدرسية فتتعطّل البلدة كلها، في اليوم التالي نزيح عن المقاعد «الحلزون» وعبوات السردين وقشر البرتقال، لنجلس مع كثير من رائحة البصل والمعجّنات، التي كان «يمزمز» عليها طلاّب الرحلة المدرسية في اليوم السابق.

وإذا انتهينا من موسم الرحلات المدرسية، فكان مالك الحافلة يؤجرها لإحدى حملات الحج والعمرة، فتغيب 14 يوماً على أقل تقدير، وبالتالي تكون حصيلة ما ركبته الحجة «نوفة» في الحافلة ثلاثة أضعاف ما ركبته أنا طوال الفصل الدراسي، لكن للأمانة كانت رحلات العمرة مفيدة لنا نحن طلاب الجامعات، لأنه فور العودة من الديار المقدسة كان يكرمنا السائق بشربة من ماء زمزم حيث يخبئ الغالون تحت كرسيه، ويدعمنا بسحبة على ظاهر الكف من علبة عطر صغيرة برائحة المسك والعنبر تحتاج إلى سنة شمسية حتى تزول من يدك.. هذا عدا تأجير الحافلات للأندية الرياضية والمشجعين وحفلات الأعراس.

كل هذا، وأوروبا غاضبة من تأخر القطارات ست دقائق.. نحن المواصلات عندنا لها علاقة «برضا الله ورضا الوالدين»..

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر