لحظة

اللهم صبّر حكومتنا علينا!

ياسر حارب

عندما وقف الوالد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على المنصة، وقال: «سنحتفي بتصدير آخر برميل نفط بعد 50 عاماً»، وربط ذلك بشرط الاستثمار الصحيح في التعليم اليوم، كيف شعرتَ كمواطن إماراتي؟ أنا شخصياً غمرني الفرح، وتفاءلتُ كثيراً بأن قيادتي تُعد العدّة للمستقبل، شأنها في ذلك شأن المؤسسين، رحمهم الله، الذين لولا استثمارهم في الإنسان لربما ما استطاع جيلي أن يتعلم وينمو ويجد فرصاً كثيرة في الحياة. وعندما يقول الوالد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ سيكون إضافة إماراتية للمعرفة البشرية، ومحطة حضارية في تاريخنا العربي، واستثماراً حقيقياً لأجيالنا المستقبلية»، أوقِنُ بأنه كلما تقدم الوقت، نال الإماراتي فُرَصاً أكبر ليُسهم في بناء الحضارة الإنسانية، ليس بأمواله، بل بخبراته ومعرفته واجتهاده، والدليل على ذلك نماذج برّاقة، كأحمد المهيري، أول إماراتي يحصل على قبول لدراسات ما بعد الدكتوراه في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بالولايات المتحدة، وهو المعهد الذي عمل فيه آينشتاين في الجزء الأخير من حياته، وأحد أهم مراكز دراسة الفيزياء النظرية في العالم.

إلا أن أحمد ومَن على شاكلته من المبدعين الإماراتيين يُعَدّون حالات خاصة، ولا يُشكّلون ظاهرة اجتماعية. بل إنني أجزم الآن بأن معظم من سيقرؤون هذه السطور لا يعرفون من هو أحمد المهيري! «أين المشكلة؟»، قد يتساءل أحدكم الآن.. المشكلة هي أن هناك فجوة في الإمارات بين طموح القيادة التي تؤسس مفاعلاً نووياً، وتفتتحُ متاحف عالمية، وتُنشئ مراكز للفضاء والابتكار، وبين القضايا التي يُناقشها شباب وفتيات الإمارات. فلو تصفحتَ «السوشيال ميديا» فستجد زوبعة كل أيام عدة حول توافه تجاوزتها الإنسانية منذ عقود، كأن تثور فنّانة على كاتب لأنه ترحّم على فنانة من إحدى الديانات، بحجة أنها ليست مسلمة! وكأن يثور بعض مشاهير «السوشيال ميديا» ضد حريّة الإماراتية في لبس عباءة مُلوّنة، ويُطالبونها بلبس الأسود فقط، وكأن تُثير صفقة بيع لاعب كرة أحد الأندية مجالس الشباب، و«قروبات واتس أب»! أتساءلُ وأنا أتابع هذه القضايا وغيرها: هل نحنُ مدركون حجم المأساة التي نمرّ بها؟! لا أدري هل هو التّرف المادي، أم أنها مشكلة إعلامية؟ فعندما نرى وزيراً للذكاء الاصطناعي، ووزيرة للعلوم المتقدمة، فذلك يعني أن المجتمع مشغول بقضايا المستقبل، مهموم بآخر الاكتشافات العلمية، وشغوف بالتقدم التكنولوجي الذي يرى فيه فرصة لتحقيق قفزات نوعية على مستوى الفرد والمجتمع، إلا أننا غارقون في البحث عن الفضائح وأخبار النجوم، واكتشاف أفضل المطاعم الجديدة، ومناقشة أسعار الساعات والشّنط والسيارات.

إن المجتمع الإماراتي يمرّ اليوم في عنق الزجاجة، فنحن على مفترق مهم في طريق الحضارة الإنسانية. قيادتنا تستثمر في التعليم، وتنشئ مؤسسات تقدمية، وتُترجم أهم المجلات العلمية، وتأتي بأكبر خبراء العالم في علوم التقنية والمستقبل، وإن لم يستغل أبناء وفتيات الجيل الجديد هذه الخيارات المتعددة، فإن التاريخ لن يرحمهم، والأجيال القادمة لن تغفر لهم. كلما سمعتُ عن إطلاق مشروع جديد، قلتُ في نفسي: «اللهم صبّر حكومتنا علينا»، لأن من يستوعبون ويسهمون في تلك المشروعات من أبناء وبنات البلد قلّة قليلة. لقد آن الأوان لنراجع قِيَمنا كإماراتيين، مُستلهمين ذلك من الآباء المؤسسين، ومُسترشدين بهذه المقولة الجميلة للشيخ محمد بن راشد: «نحن نبحث عن التحديات حتى نتغلّب عليها»، فمن العيب أن تعمل القيادة على مدار الساعة، وتُفني عمرها في بناء هذا الوطن العظيم، وأنتَ جالسٌ في المقهى، لا همّ لك إلا صفقات لاعبي كرة القدم!

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر