أبواب

سوء الطالع

أحمد حسن الزعبي

لأنه لا يؤمن بأن الحظ هو الذي يسيّر الحياة، بقي يحارب كل بوادر سوء الطالع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، تارة بالمثابرة، وتارة بالمحاولة، والغاية التخلّص من وسم «منحوس»، الذي كانت تطلقه عليه والدته منذ اليوم الأول من ولادته.

صحيح أنه ولد في اليوم التالي لوفاة والده، وتعطّلت الطابعة أثناء استخراج شهادة ميلاده، وتوقّفت المدارس أسبوعاً كاملاً عند الدوام في أول يوم دراسي له، بسبب حدث كبير، وأغلق باب التسجيل في الوظائف العامة بسب كثافة المتقدّمين، إلا أنه يعتبر تلك المناسبات مجرد صدف زمنية لا أكثر.

بعد تخرّجه في الجامعة أغلقت كل الأبواب في وجهه، فما إن يقدّم لوظيفة حتى يكون الجواب «لقد اكتفينا»، وما إن يذهب ليتنافس مع المتنافسين حتى يختاروا أصحاب الواسطة الثقيلة، ويعتذرون له بحجة عدم اجتياز الامتحان التنافسي، ومع كل هذا الإحباط، بقي مثابراً مجتهداً، معتبراً أن ما يجري له ما هو إلا مصادفات وحوادث عرضية ليس إلا، ولا علاقة لها بسوء الطالع..

دخل في «اللوتري» للهجرة إلى أميركا وكندا، وقد حدث أن ظفر بها بعض أصدقائه المترفين أصحاب الوظائف، إلا أن الهجرة أخطأته وهو في أمس الحاجة إليها، أخيراً قرر انتحال صفة سائح، والسفر مع «جروب سياحي» إلى أوروبا، مضمراً في نفسه ألا يعود إلى بلاده العربية أبداً، فسيهرب ويختبئ هناك عن عيون الشرطة، ليعمل مثل بقية خلق الله.. وبالفعل دفع أجور الرحلة، واشترى تذكرة سفر، وكان أول الواصلين إلى المطار، دخل الطائرة، فاتصل بوالدته هامساً وهو على الكرسي: «مش كل شيء حظ يا أمي.. أنا الآن في الطائرة، أخيراً زبطت معي».. بعد دقائق صارحهم الكابتن بأن الطائرة لن تطير، بسبب خلل فني، وأن الرحلة أجّلت، فاشتبك السياح مع الشركة المنظمة مع خطوط الطيران، وألغيت الرحلة تماماً..

في نهاية المطاف، قرر السفر عبر القوارب غير الشرعية، من خلال أكثر من محطة، حتى يصل إلى ضفاف أوروبا، غير آبهٍ بالموت أو الاحتيال، ومن خلال وسطاء ركب «قارب الموت»، كان الجو لطيفاً، والسماء صافية، وخفر السواحل في غفلة عنهم، مضوا من مدينة إلى مدينة، ومن ساحل إلى ساحل، وبدّلو القوارب، وطرق المسير البحرية، إلى أن وصل ركّاب القارب الأخير بسلام، وهرولوا من الشاطئ تجاه ساحل«باليرمو» الإيطالية، ودخلوا بين الناس وكأنهم مقيمون شرعيون أو سكان البلد الأصليون، هناك بعث برسالة «واتس أب» إلى أمه: «مش كل شيء حظ يا أمي، وصلت إيطاليا، وأخيراً زبطت معي».. على الرصيف وجد بائع «يانصيب»، قال في نفسه: مادام الحظ قد ابتسم لي سأكمل اللعبة، كانت الجوائز متباينة، منها الفوز بشقة سكنية، ومنها ملايين الدولارات النقدية، وقطع الذهب، ورحلات حول العالم.. أخرج من محفظته 10 دولارات، واشترى بطاقة «اكشط واربح».. نظر إليه البائع، صاح به: أنت محظوظ جداً يا سيدي، كاد قلبه أن يتوقّف، وضع البائع الورقة أمام عيني الزبون، وإذا بها «رحلة سياحية إلى بلده الهارب منه».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر