5 دقائق

سيكولوجية الأخبار (2)

عبدالله القمزي

أثار خبر اختراع «مذيعة روبوت» تقرأ الأخبار في اليابان سخرية في أوساط العاملين في مجال الصحافة والإعلام، لكن الحقيقة أن السخرية تغلّف رعباً ينتاب تلك الأوساط، فالخبر بقدر ما هو ظريف إلا أنه يشير بلا تحفّظ إلى إمكانية الاستغناء عن العامل البشري في هذه الصناعة.

وهو ما يعيدنا إلى سؤال القرن: هل ستختفي الصحافة الورقية عنا في العقد المقبل مع انتشار موجة الرقمنة التي تجتاح حياتنا؟ حتى الخبراء منقسمون في الإجابة، مع طغيان نظرة تشاؤمية على المستقبل.

منذ بزوغ عصر السوشيال ميديا المتزامن مع انتشار أدواته، متمثلة في الهواتف الذكية، تراجع القراء بنسب مرعبة، تراجعت الاشتراكات، وقلّ المدخول الإعلاني.

غيّرت الإنترنت سلوكياتنا فلم يعد الشخص راغباً في قراءة الصحيفة، ويفضل نسخة التطبيق الإلكتروني، لكن حتى هذا ليس حلاً للمشكلة الأصلية، لأن مدخول إعلانات المواقع لايزال منخفضاً حتى بالنسبة للشعبية منها.

بروز منصات وأشخاص هواة يسمّون «الصحافيون المواطنون» Citizen Journalists، أما شعبياً فيسمّون «سنابيون» أو «مغردون»، هؤلاء ينقلون أو يسرقون الأخبار ويختصرونها في فقرة واحدة فقط، أو يصورون أحداثاً بأنفسهم، ويبثونها على منصاتهم.

كنتيجة، انتشر جهل شديد بين أبناء الجيل الحالي مقارنة بالأجيال الماضية، لأن الصحافة كمهنة لا يمكن الاستغناء عنها والتعويض بهواة يجهلون أبسط قواعدها، وينشرون معلومات مغلوطة غير مؤكدة ولا موثقة.

هذا بدوره أفرز المشكلات التالية:

أولاً: انتشار الشائعات بشكل لم يسبق له مثيل في المجتمع.

ثانياً: ضعف ذاكرة أفراد المجتمع بشكل مخيف وانتشار السطحية بينهم، فلو تسأل شخصاً عن حدث كبير مثل إطلاق قمر اصطناعي محلي، سيتذكر إطلاق قمر فقط، وليس قادراً على فهم سبب المشروع أو استقرائه، وذلك لأنه قرأ فقرة واحدة وتجاهل التفاصيل.

ثالثاً: ضعف اللغة العربية السليمة، كتابة ونطقاً، بسبب ميل الجمهور إلى استقاء معلومات من جهلة نصّبوا أنفسهم صحافيين وإعلاميين على المجتمع، فهذا يقول أكياس الشاي مسرطنة، وذاك يحذر من مخاطر استخدام شامبو مرخص من مختبر البلدية، كأنه يفخر أن جهله أكثر صدقية من مؤسسات الدولة العلمية.

رابعاً: ميل العاملين في مواقع إعلامية إلى نشر أخبار فضائحية يسمّونها رائجة وشعبية، مثلاً: «فضيحة الفنانة الفلانية في غرفة فندقية» عنوان بشكل طُعم للقارئ يجذبه ويُبقيه في الموقع، ويتبين أن الفضيحة مثلاً هي عنوان فيلم تمثله الفنانة. كنتيجة، تأثر سلوك القارئ وتجاهل المهم وذهب إلى ما يستدرجه.

خامساً: مهمة الصحافة تحولت من نقل المعرفة إلى ثقافة التفنّن في صناعة الطُعم للقراء.

سادساً: السرعة في قراءة الأخبار خشية تفويت شيء، والنتيجة نسيان كل المعلومات بنهاية اليوم. ما العيب في قراءة أخبار البارحة والتأمل فيها، والخروج بأفكار وتحليل جيد يرسخ في الدماغ مدى الحياة؟

ختاماً: الإنترنت طورت الصحافة، لكنها خلقت وضعاً فوضوياً لا تحكمه أي قوانين، إتاحة إمكانية النشر للجميع ملأ سوق الأخبار ببضائع فاسدة ومحتالين على شكل صحافيين. استقاء الأخبار من هؤلاء مثل طلب مريض العلاج من سباك أو تفضيل وجبة سريعة مصنّعة ومعالجة على صحية وطازجة. صحيح نموذج الصحافة التقليدية معطّل، لكن سلوكياتنا أيضاً بحاجة إلى إعادة نظر وتصويب.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر