5 دقائق

قفزات التعليم وطموح المستقبل

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم يكن حديث سمو الشيخ عبدالله بن زايد رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية وزير الخارجية والتعاون الدولي، أمام القمة الحكومية السادسة، أمس الأول؛ لم يكن مفاجئاً لما يطمح إليه وتخطط له الدولة من قفزات عالية في مجال التعليم؛ لأنه نابع من معدنه وديدنه، فهو ليس رجلاً عادياً يعمل بالأسلوب المعتاد في التخطيط للتعليم، فذلك لم يعد موجوداً في قاموس دولة الإمارات ورئيس مجلس التعليم على وجه الخصوص؛ لأن السير في ذلكم الطريق يعني الوقوف عند المستوى المعرفي دون الوصول إلى النتائج المطلوبة في التطور المنشود للدولة والأمة، ولو وقف الناس على ذلكم المنهج لم يتقدموا، وكان الإنفاق على التعليم وشغل الأعمار به ضرباً من العبث، وهو ما لا يقبل في منهج شيوخنا الأكارم وسياستهم الرشيدة ونظرتهم الطموحة للبلاد والعباد، وخططهم العشرية والمئوية.

وقد كان طرح سموه طرحاً عميقاً مؤصلاً، مبيناً فيه الأهداف المستقبلية للتعليم من مراحله الأولى إلى ما لا نهاية له، وهي النظرية التي كنا ولا زلنا نتلقاها «طلب العلم من المهد إلى اللحد».

إن هذه النظرة الشمولية للتعليم هي النقلة الحقيقية للأمة، فلا يمكن لأمة أن ترقى إلى أوج العلا إن لم يكن التعليم الهادف المتطور المناسب للعصر هو طريقها إلى التقدم والأولية، وهي الطريقة التي وضعها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هدفه المنشود لشعبه ودولته.. وكما قال أمير الشعراء شوقي:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهمُ

                              لم يُبن ملك على جهل وإقلالِ

إن الخطة التعليمية المدروسة التي أبان عنها سمو الشيخ عبدالله بن زايد هي خطة خبير استراتيجي، ستحقق النتائج المنشودة بعون الله تعالى لهذا الشعب ولكل من يجعلها خطته من الشعوب الأخرى؛ لأن العلم هو معيار التقدم لكل مجال في الحياة؛ فإنه المفتاح لخزائن الكون وما أودع الله فيه من أسرار ومنافع، وسخرها لابن آدم إذا أخذ بأسبابها كما يشير إلى ذلك قوله سبحانه: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.

وإذا كانت اليابان أو الولايات المتحدة الأميركية مثلاً قد وصلتا إلى ذلكم المستوى الراقي من الصناعة والتطور التقني والتكنولوجي والرقمي، فإنهما لم تصلا إلى ذلك سبهللا وعفويا، بل بوضع البرامج التعليمية تحت المجهر، فأنشأت مناهج تحقق ذلكم التفوق الذي وصلت إليه، وما زالتا ماخرتين في فضاء العلوم والتقنية والبرمجيات إلى ما لا نهاية، ولسنا ــ معشر العرب والمسلمين ــ بأقل منهم ذكاء ولا إمكانية، فقد كنا السباقين إلى كل العلوم الرائدة التي أسست لهذه الحضارة، فلما أهملنا التعليم والتعلم تأخرنا بقدر ما وصلوا إليه.

إن ركب التقدم المنشود لم يقف بعد، كما أنه لم يصل إلى منتهاه، ولكنه يفتقر إلى إرادة وثابة كمثل هذه الإرادة التي حظرت وصف المستحيل في برامجها وطموحها، ولم تستنكف أن تجثو على الركب في حقول المعرفة لدى كبرى المؤسسات العلمية، للاستفادة منها، كما تفعل دولتنا المباركة بسعي وتخطيط وتنفيذ هذه الهمم السباقة، فإن هذه الهمم الوثابة قد وضعت بهذا الطرح الرائع المنهجية المُثلى للتعليم واستكشاف المستقبل، وجعلته محور اهتمامها للوطن والعباد، وهي تسخر إمكانيتها لتحقيق ذلك حتى تناله إن شاء الله تعالى.

وكم كان طرحه شمولياً ورائعاً حينما لم يقصر همه في التعليم على التعليم التقني والتكنولوجي على أهميته، بل هدف إلى تعليم عام وشامل لعلوم الآداب التي تتميز بها حضارات الأمم كما قال سموه: «كما نطْمَح ليكون لدينا فائِزون بِجَوائِزِ نُوبِل في العُلوم، فإنَّنا نَطْمَحُ كَذلِكَ للفوز بِجَوائِزِ نُوبِل لِلآداب». نعم إن حضارة الإمارات جديرة بأن تبرز مرشحين وفائزين بجائزة نوبل أو الملك فيصل للآداب، فهي التي أنجبت الكثير من الأدباء في التأريخ القديم، وبمثل هذا النهج ستنجب الجديد، وبالله التوفيق وعليه التكلان وهو المستعان.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر