أبواب

ساعات متوقفة

أحمد حسن الزعبي

يمتلئ بيتي بالساعات المتوقفة، ساعة الصالون متوقفة منذ زمن عند الرابعة والربع، غرفة الضيوف عند الثامنة وخمس دقائق، غرفة النوم عند السابعة والثلث، وغرفة الجلوس محايدة عند الساعة 12 تماماً.

المنبّه يذكّرني بالكاتب الساخر.. نطلب منه أن يوقظنا من غفوتنا، وإذا ما بدأ بالرنين، حسب التوقيت المطلوب، نسارع إلى إسكاته بأي طريقة كانت.

ضبط الوقت لا يحتاج إلى أكثر من بضعة أزواج من البطاريات فتعود الساعات إلى العمل وتتصحح القراءات، لكني لا أتدخل على الإطلاق، أنا مرتاح للتفاوت الزمني، أحس أني في قارات ودول مختلفة فينعدل المزاج ويطير الخيال على الرغم من أن بيتي أوسع من غرفة المدخنين في المطارات بقليل، ثم إنني أحترم قرار الساعات بالتوقف عن العمل، إنها مهنة بائسة أن تبقى تصدر الصوت نفسه طوال عمرك برتابة وهدوء «تك.. تك.. تك.. تك»، ينظر إليها المستعجلون إلى مدارسهم ووظائفهم، يتأففون إذا صارحتهم بتأخيرهم، ولا تتلقّى أي ثناء إذا أعطتهم وقتاً إضافياً للمواعيد أو الخروج، ينام الناس وهي تحرس الوقت طوال الليل، لا تهدأ ولا تتثاءب ولا تنام، لا يستطيع أي من العقربين أن يأخذ إجازة سنوية أو أسبوعية أو حتى مرضية، يلتقيان عند بعض الأرقام لثوانٍ معدودة ثم يفترقان دورة كاملة.. إنها مهنة شاقة أن تكون معلقاً على الحائط كصور الموتى، بل صور الموتى أكثر عاطفة، فهي توحي بذكرى وابتسامة، أما الساعة فمشغولة بقراءة الزمن وحمايته كي لا يندلق خارج الإطار الذهبي أو الخشبي، لا فرق..

أحب الساعات المتوقفة أكثر من تلك العاملة، أحترم موقفها الحازم بالرغبة في التقاعد، وترك الزمان للساعات اليدوية وساعات الهواتف النقالة، هي تريد أن تتأمل الوجوه أكثر، تستمع للحديث، لشخير الأطفال أثناء الليل، هي لا تحب أن تسمع صوتها المملوء «بالتكّات» التي يضيق بها القلقون والأرقون الذين يلجأون إلى إخراسها قبل تناول حبتَي المنوّم، اختارت هذه الساعة وكمشة الدقائق عنواناً أخيراً لمسيرة عقاربها، هنا حطّت رحالها وتركت الزمن لمجتهدين آخرين في أرجاء المكان.

حتى المنبّهات التقليدية لا أحاول أصلاحها أو استبدال بطارياتها، كلما عطل واحد رفعته فوق مكتبتي.. المنبّه يذكّرني بالكاتب الساخر.. نطلب منه أن يوقظنا من غفوتنا، وإذا ما بدأ بالرنين، حسب التوقيت المطلوب، نسارع إلى إسكاته بأي طريقة كانت..

أعرفتم لماذا أحب الساعات المتوقفة من تلقاء نفسها؟

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر