أبواب

هل تموت الأرقام أيضاً؟

أحمد حسن الزعبي

الأشياء لها أعمار مثلنا، عندما تنتهي آجالها تستقيل من وظيفتها وتغادر بصمت.. الكرسي يموت، الطاولة التي تحمل أيدينا وأقلامنا وخربشاتنا، ساعة الحائط، زجاج النافذة الذي يطلّ على كل المناظر ويقاوم كل الأجواء، النظارة، القميص، الهاتف، كل شيء.. سألت نفسي لماذا لا تموت الأرقام منفردة بينما تموت دفعة واحدة؟ مثلاً لم أر رقم (5) يموت مثلاً، أو يتم تشييع رقم (8) إلى مثواه الأخير، أو نبيع رقم (6) لتجّار الخردة وقطع الغيار.. الأرقام المفردة أطول عمراً من الأرقام الجماعية..

كنت أقلّب قبل أيام قائمة الأرقام في هاتفي النقال، بعض الأسماء رحلت ورحلت الأرقام معها.. ترى من يستخدمه الآن؟ هل مازال يحمل اسمي لديه؟ أمالك جديد من العائلة نفسها، أم تم فصله وبيعه لمالك آخر؟ هل أجرّب الاتصال الآن؟ ماذا لو ردّ عليّ مستخدم جديد أو وارث جديد؟ ماذا سأقول له؟ اشتقت لسماع من غابوا.. حاولت أن أسقي الرقم بصوتي وأختفي.. تراجعت عن هذه الفكرة البلهاء.. وقلت إن الأرقام تموت مع أصحابها.. فكّرت قليلاً في حذفها من القائمة، ثم تردّدت، لم تطعني أصابعي على تأكيد الإلغاء، قلت في نفسي بعض الوفاء للأسماء الإبقاء عليها هنا بين الأحياء كي تؤنسني، الأحياء يغيبون ويفترون وتتغيّر مواقفهم ويبررون زيفاً غيابهم، أما من رحلوا فهم صادقون حتى بغيابهم.. سأتركها بين قائمتي المفضلة وإن كانت صامتة لا تورق كلمة أو تثمر رنّة أو تفاجئني بصورة.. سأترك الأرقام على حالها، تماماً كما أترك شجرة لوز يابسة في بستان طويل، لو اقتلعتها من مكانها انكشفت عورة البستان.. سأتركها.. وسأقرؤها حسب الترتيب الأبجدي على الأقل سأذكرها بالرحمة إن شغلتني الدنيا.

هل تموت الأرقام مثلنا؟ نعم وأحياناً تموت معنا، تموت أرقام الهواتف مع أصحابها، تموت أرقام المقاعد فور مغادرتها والشقق فور إخلائها، والهزائم فور إنكارها، والقضايا الوطنية فور التفاوض عليها.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

 

تويتر