5 دقائق

البقاء للمؤسسات المتعلمة

الدكتور علاء جراد

لابد أننا سمعنا المقولة الشائعة «البقاء للأصلح»، وهناك مقولة أخرى هي «البقاء للأقوى»، لكن يبدو أن البقاء الحقيقي هو حليف من يتعلم أسرع، ويطبق ما تعلمه بما يعود عليه بالنفع وعلى من حوله، ينطبق ذلك على الأفراد والمؤسسات والحكومات، إن التعلم بشتى أنواعه ومستوياته، والعمل على تطبيق التعلم، هما الطريق للتقدم والازدهار، بل أهم من ذلك هما السبيل للبقاء، في كل عام تختفي شركات بكل الأحجام نتيجة أخطاء أو نتيجة الاستحواذ عليها من قبل شركات أكبر، خصوصاً في مجال التكنولوجيا، حيث يزيد عدد الشركات المتعلمة.

• المؤسسات المتعلمة هي المؤسسات التي تسعى باستمرار للتحسين المستمر واكتشاف طرق جديدة للعمل.

الشركة المتعلمة أو المؤسسة المتعلمة مصطلح بدأ ظهوره في السبعينات، وأطلقه كريس أرجيرس مؤسس مفهوم التعلم المؤسسي، وفي التسعينات صدر كتاب للدكتور بيتر سينج من معهد MIT، يعتبر بداية رحلة البحث والفهم في طبيعة هذا النوع من التعلم، أي فهم كيفية أن تتعلم المؤسسات، وكيف تتعلم المؤسسات وهي ليست كائناً حياً، ومن الذي يتعلم بالتحديد، وهل هناك مؤسسات متعلمة ومؤسسات غير متعلمة؟ كل هذه الأسئلة كانت ومازالت محور بحث في الكثير من دول العالم، خصوصاً في أوروبا وأميركا وبعض الدول الأسيوية، ولكن مازلنا في الدول العربية لم نعطِ لهذا الموضوع أهميته الكافية، حيث يعتبره الكثير نوعاً من الترف الفكري والإداري، والحقيقة تختلف تماماً عن هذا الانطباع الخاطئ.

توجد أدلة بالبحث العلمي والتجارب، تثبت أهمية التعلم للمؤسسات بقدر أهميته للأفراد، والمؤسسات المتعلمة هي المؤسسات التي تسعى باستمرار للتحسين المستمر، واكتشاف طرق جديدة للعمل وتحسين مخرجاتها، وإرضاء عملائها، ليس هذا فقط بل تسعى لابتكار منتجات وخدمات جديدة، ولا يقتصر ذلك على الشركات الربحية، بل يمتد للقطاع الحكومي، وكذلك الجمعيات الأهلية، فالتعلم هو الميزة النسبية الحقيقية لأي مؤسسة، لأنه يساعد على الاستفادة بخبرات كل الموظفين والعملاء والشركاء وذوي العلاقة، لكن بلاشك لابد من تغيير الثقافة المؤسسية قبل البدء في عملية التعلم، لأن الموظف الخائف لن يتعلم، والموظف المستقيل ذهنياً وروحياً من مؤسسته لن يتعلم، والمدير المتعالي لن يتعلم، والبيئة التي تذخر بالقيل والقال والنقد والحكم على الآخرين لن تشجع على التعلم، التعلم يحتاج إلى التخلص من ثقافة اللوم، ويحتاج إلى قبول الأخطاء والتعامل معها كفرص للتطوير والتحسين وليس للعقاب والترهيب.

لا يحتاج التعلم إلى جهود خارقة بل يحتاج إلى تربة صالحة لينبت فيها، ثم يحتاج إلى أيادٍ وعقول تتعهده بالرعاية والمتابعة والدعم، حتى ينمو ويترعرع فيصبح الشجرة الوارفة والمثمرة، التي تستظل بها المؤسسة وتحتمي من التقلبات والرياح.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر