5 دقائق

إن هذه النار عدو لكم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

أصيب شعب الإمارات بصدمة مُرَّة نتيجة الحريق الذي شبَّ في منزل عائلة مواطنة في «رول ضدنا» بدبا الفجيرة، وراح ضحيته سبعة أطفال اختناقاً نتيجة استنشاق الدخان الكثيف والأبخرة الناتجة عن الحريق الذي شب في منزلهم، وهم نائمون، وهو لاشك قضاء وقدر، وكل مقدور فما عنه مفر، إلا أن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى؛ لأن الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان، فلا يجوز للإنسان أن يتسخط منه، بل يصبر ويحتسب الأجر عند الله تعالى؛ لينال أجر الدنيا بالإخلاف، وفي الآخرة بالثواب العظيم الذي أشار إليه الحق سبحانه بقوله: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾، وما من أحد منا إلا أصابه الحزن والأسى على هذا المصاب الجلل الذي راح ضحيته هؤلاء الفِتية الأحداث الذين كانوا يأملون أن يعيشوا ليسعدوا ويعملوا لدينهم ودنياهم وبلدهم، ولكن كان قدرُ الله مفعولا.

إلا أن هذا القدر كان له سبب مباشر من فعل ابن آدم، وكما يقول المثل: «ابدأ يا موت قال ابدأ يا سبب»، والسبب هو ذلكم الإهمال في البيوت بعدم أخذ أسباب الوقاية من مثل هذه الكوارث المفزعة، لاسيما مع توافر هذه الوسائل الوقائية، فيُعد ذلك نوعاً من الإهمال والغفلة التي ينبغي أن نتيقظ لها بعد هذه العبرة المُرَّة.

لقد حذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذا الحدث الأليم، كما روى ابن ماجه من حديث أبي موسى، رضي الله عنه، قال: احترق بيت بالمدينة على أهله، فحُدِّث النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم، فقال: «إنما هذه النار عدوٌّ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم»، وروى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبدالله، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمِّروا الآنية، وأوكُوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند العِشاء، فإن للجن انتشاراً وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإن الفويسقة - أي الفأرة - ربما اجترَّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت».

هكذا يحذّرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام، ويأمرنا بأخذ أسباب الوقاية من هذه الفواجع، فقد سمّى النار عدواً، والعدو يُتقى، ومع ما في النار من المنافع، إلا أن سوء استخدامها وعدم التَّوقِّي من شرها يقلبها عدواً يجب أن يحترز منه أشد الاحتراز، فإنها تصيب بلهبها وتصيب بدخانها أكثر، فما قضى على هؤلاء الفتية الصغار إلا ثاني أكسيد الكربون الذي باغتهم وهم نيام، فقضى عليهم وهم على فُرشهم، وما كان أجدر بذويهم أن يحموهم من ذلك بالوسائل المتاحة من الأجهزة الحديثة الساحبة للدخان، لاسيما وهم في مكان واحد.

والكل يلتمس لهم العذر بعدم التفكير بهذا الأمر الجلل، أو لقلة ذات اليد، فهو عذر مقبول، ولكن علينا أن نأخذ من هذا المصاب عبرة ودرساً وقائياً، وهو ما بادر إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله، الذي لم يكتفِ بالتعبير عن حزنه وأساه بفقد أفلاذ الأكباد من أبناء الوطن الأعزاء حتى بادر «بتوجيه الدفاع المدني بالدولة التأكد بشكل عاجل من وجود أنظمة للحماية من الحرائق، متصلة مع الدفاع المدني مباشرة في بيوت المواطنين كافة، على أن تتحمل الحكومة كلفتها لمن لا يستطيع. وقال سموّه: «إن المواطن أغلى ما نملك. وحياته حياة للوطن. وأمنه وسلامته أولوية لنا ولكافة من يعمل في حكومتنا».

هكذا هو شعور القائد العظيم نحو أبنائه المواطنين في السعي البالغ لحمايتهم من المكاره، ومن فرط حزنه وبالغ مواساته أنه بادر أيضاً مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكل الشيوخ، لتعزية ذوي المصابين في دارهم، لتخفيف آلامهم وتسليتهم بمصابهم، وهي تعزية بلا شك لكل فرد منا.

حفظ الله البلاد والعباد من كل مكروه.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

 

تويتر