5 دقائق

تلك اللحظة المحرجة

عبدالله القمزي

نتعرض للكثير من المواقف المحرجة في حياتنا، كل يوم تقريباً، وهي لحظة كريهة للبعض، ومرحة للبعض الآخر. فمثلاً، تكون في اجتماع رسمي، وتتعثر أثناء دخولك الغرفة على مرأى من الجميع.

أو تتعثر على سلم في مكان عام وتسقط، أو تحضر عرساً وتمد يدك لتسلم على شخص أمامك، لكن الاختلاف الثقافي بينكما يسبب تلك اللحظة المحرجة، فتجد الشخص لا يمد يده بل يسحبك تجاهه ليلمس أنفك أنفه، وهذه تسمى «الموايه»، وهي طريقة السلام التقليدية في الدولة.

أو يطلب منك الحديث في اجتماع رسمي، أو أمام ضيوف، وتجد نفسك غير متحضر وتتلعثم أو قد تتفوه بجمل قصيرة قبل أن تصمت، والجميع ينظر إليك. أو رجل لا يرغب في مصافحة امرأة والعكس، أو تحضر عشاء رسمياً في دولة أوروبية أو آسيوية، وعندما يأتي الطبق الغريب غير المستساغ في نظرك، ويطلب منك مضيفك تذوقه وإبداء رأيك فيه، تتمنى لو أنه لم يطلب.

تجاوب الناس مع تلك اللحظة المحرجة يتفاوت حسب شخصياتهم، فالشخص الاجتماعي جداً لا يكاد يشعر بها، بل هو يتمتع بمهارات تقلب تلك اللحظة من محرجة إلى ممتعة، ومضحكة له ولمن حوله.

الشخص الأقل اختلاطاً بالناس وغير الانطوائي (غالباً الذي يتحدث عن نفسه كثيراً)، يستطيع تجاوز الموقف، وسيضحك عليه عند تذكيره به.

أما الشخص الانطوائي فهو الأكثر معاناة، إذ يتصبب عرقاً فور وقوع اللحظة، وقد يغضب على من يسخر منه، ولا يرغب في رؤيته مجدداً، ويتجنب المناسبات الاجتماعية كافة، للهروب من تلك اللحظة.

النوع الثالث (متردد لا يعلم كيف يبدأ محادثة، ولو بدأها لا يعرف كيف ينهيها، ولو قرر إنهاءها فلأنه غاضب) يخاف الانتقاد والإحراج، ويفتقد المهارات الاجتماعية. افتقاد المهارات الاجتماعية لا يعني الجهل بها، بل يعني أن الشخص غير ملم بها، لانعدام الممارسة.

اللحظة المحرجة قد تقع كذلك، عندما تجمعك الظروف مع شخص صامت لا يتحدث، وأنت تحاول بدء حديث، وهو يرد عليك باقتضاب شديد. قد تعتبر الأمر فظاظة، ولك الحق في ذلك، لكن هو ليس بالضرورة فظاظة لدى الآخر.

هنا لدينا اختلاف شخصيات، فمن لا يرد عليك بشكل وافٍ معناه أن باله مشغول بأمر ما، لأن الناس غالباً بطبيعتهم ودودون، ومن ينشغل بهاتفه أثناء الحديث معك ويرد عليك بين اللحظة والأخرى هو مشغول كذلك، ولا يعني أبداً الإساءة إليك.

الانطوائي قد يكون سلبياً في المواقف الاجتماعية، لكن هذه الفئة عقلها يعمل بشكل مختلف، فقد تجد الانطوائي يقرأ بشغف في مجال معين يهمه، يجعل منه خبيراً لا يستهان به، وأفضل من أكثر شخص اجتماعي صاحب تجارب.

ختاماً: كنت مرة ضمن وفد رسمي إلى دولة شرق آسيوية، وعند العشاء الرسمي وضعوا أمامنا أكلة شعبية في طبق صغير، قالوا إنها تحضر بطريقة لو وصفتها قد يشعر القارئ بغثيان. طلب منا أن نأكل ونبدي رأينا فيها، اعتذر بعض أعضاء الوفد، وكان نصفه نساء، وطلبوا مني أن أتطوع للتذوق، منعاً للإحراج. وضعت نصف ما في الطبق في فمي ومضغته، وعندما لم أستسغه بلعته فوراً، وابتسمت، وقلت: لذيذ جداً.. تجنباً لتلك اللحظة المحرجة!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر