أبواب

ونحن أيضاً نركض خطأ.. يا «سُمعة»

أحمد حسن الزعبي

لفت انتباهي ما قاله نجم المنتخب الإماراتي السابق، إسماعيل مطر، في مؤتمر دبي الرياضي، عندما صارح جمهوره قائلاً: اكتشفت أنني كنت أركض خطأ بعد 31 سنة.. وقد أرجع النجم الرياضي سبب إصابته المتكررة في الركبة، لأنه كان يركض بشكل خاطئ، حسب الطبيب البلجيكي المعالج آنذاك، وعندما بدأ يركض بشكل سليم شارف على الاعتزال.

الركض الجائر أحياناً يحرز بعض الأهداف، وإن استهلك العمر بأسرع من المفترض.. لا تحزن يا «سمعة»، فكم من الذين ركضوا بشكل صحيح لم يصبحوا «إسماعيل مطر».

وليسمح لي النجم الكبير أن «أقولب» كلامه، واختطفه من الناحية الفيزيائية الحركية البحتة إلى الناحية الفلسفية.. فكلنا - أو جلنا - على الأقل في نهاية المشوار، يكتشف أنه يركض خطأ يا إسماعيل، وأن ترتيب الخطوات لم تكن كما يجب، ولو يعود التاريخ من جديد، ربما نركض بشكل مختلف أو نهرول باتجاه مختلف؛ فمراجعة المسيرة بعد نهايتها، أو عند المشارفة على نهايتها طبيعة بشرية.

أستاذ جامعي قالها لي، على طريقة إسماعيل مطر، لكن بعبارات أكثر وضوحاً: لو يعود بي التاريخ لا أختار تخصصي ولا مساري الأكاديمي هذا، ليتني اتجهت نحو التجارة أو الاستثمار الخاص، أنا مثل شاخصة مرورية أنظم السير وأرشد المارين على الاتجاهات الصحيحة، وأظل باقياً في مكاني والجميع ينطلق بعيداً، بعد ربع قرن من المحاضرات والندوات والأبحاث لم أنجح باقتناء بيت لي ولا سيارة أستطيع أن أعتمد عليها في السفر لأكثر من 200 كيلومتر، ولا رصيد بالبنك يكفيني لإجراء عملية جراحية عند الضرورة.. هو الآخر اكتشف أنه كان يركض بشكل خاطئ طوال مسيرته العلمية.

أنا أيضاً عندما أراجع مقالاتي القديمة وانفعالاتي القديمة أقول في نفسي: كيف كان يجيز لي رؤساء التحرير تلك الخرافات؟ لو يعود بي الزمان من جديد لصرت أكثر وعياً وأكثر اتزاناً وأكثر حرفية في اختيار المواضيع والعناوين.. هو شعور آخر بالركض بشكل خاطئ.

بالمقابل، أنا أؤمن أن التقييم الدائم للأداء جزء من النجاح، لذلك كلما قرّبت كأس الندم من شفتيّ المراجعة قلت في نفسي: ربما لو ركضت بشكل مختلف لسقطت في أول جولة، أو ربما اعتزلت قبل أن أحترف.. فالركض الجائر أحياناً يحرز بعض الأهداف، وإن استهلك العمر بأسرع من المفترض.. لا تحزن يا «سمعة»، فكم من الذين ركضوا بشكل صحيح لم يصبحوا «إسماعيل مطر»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


تويتر