5 دقائق

«السوشال ميديا».. خيال أم جنون

عبدالله القمزي

تراودني أفكار كثيرة، متعلقة بمصير وسائل التواصل الاجتماعي (سوشال ميديا)، بعد 10 أعوام أو 50 عاماً، كيف سننظر إليها؟ هل هي مرحلة وصل إليها إعلام الإنترنت وسيتجاوزها، حيث ستنظر إليها الأجيال الجديدة بشكل ساخر مستقبلاً؟

تهيمن هذه المنصات علينا بشكل مخيف، ولا أذكر أن شيئاً هيمن أو سبب هوساً في العقود الماضية كما تفعل هذه الوسائل في هذا العصر. حتى لو تركتها فهي لن تتركك، حتى لو قررت تجاهلها فسوف تمتصك إليها مجدداً! هل أنا أبالغ؟ بعد قراءة هذا المقال عُدْ إلى جهازك الذكي وعُدّ التنبيهات من «فيس بوك»، و«تويتر»، و«إنستغرام»، و«سناب شات»، والتي نعلم جميعاً أنها لا تتوقف على مدار الساعة.

بعد ذلك اسأل نفسك: هل تستطيع ترك الجهاز دون دخول تلك التطبيقات لساعة واحدة؟ أعرف أن الإجابات متباينة لكن معظمنا لا يستطيع مقاومة العودة. السؤال الثاني حاول أن تتذكر متى دخلت إحدى تلك الوسائل وخرجت بخبر سعيد؟

• وسائل التواصل الاجتماعي، هي وسائل عزل اجتماعي، صممت بشكل يعزز الإدمان في البشر.

نعم ربما أنا أبالغ، وهناك أشخاص يجدون فيها ما يسعدهم، لكن انظروا إلى الصورة الكبيرة والأشمل عالمياً، ستجدون أنها تفرق المجتمعات ولا توحدها، تزرع الشقاق والفتن لو أسيء استخدامها بعيداً عن القوانين التي تفرضها الدولة، للمحافظة على النسيج الاجتماعي.

هي الأدوات المفضلة للمتحرشين والمتنمرين والإرهابيين على مستوى عالمي، وهي الوسائل المفضلة في نشر الأخبار المضللة والشائعات، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، والتأثير في المزاج السياسي للشعوب، كما حدث في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية، التي لاتزال تتكشف أبعادها إلى اليوم.

الجديد في الأمر نشوء حركة تصحيحية على مستوى عالمي، تمثلت في تخلي الكثيرين عن تلك الوسائل، ومسح التطبيقات من هواتفهم الذكية، وأعرف أناساً شطبوا تطبيق «سناب» من أجهزتهم، وهناك عدد من الصحافيين في الولايات المتحدة حصروا استخدام تلك التطبيقات في العمل فقط.

وسائل التواصل الاجتماعي، هي وسائل عزل اجتماعي، صممت بشكل يعزز الإدمان في البشر (تذكروا التنبيهات والتعليقات وإعادة التغريدات، كلما اهتز الجهاز فإنه يمتصك إلى ذلك العالم مجدداً)، وهذا بشهادة أشخاص عملوا لدى تلك الشركات، وصرحوا بذلك بعد خروجهم منها.

كلما تفاعلنا إيجاباً أو سلباً مع المشاركات، ارتفع عدد المشاركين والمتابعين، وبالتالي تتحسن الأرقام ربع السنوية للشركات، وترتفع أرباحها بتوافد المعلنين إليها.

تطبيقا «إنستغرام» و«سناب شات» يستحقان جائزة أفضل منصتين لبث التفاهات والغباء، الأول للمراهقين العرب، والثاني للفئة نفسها عالمياً، وهما للتفاخر بالماركات والتقاط صور دون رؤوس/‏‏وجوه، أو للشوي والطعام أو الثرثرة، ولا تستغربوا لو دخل أحد الحمام لحلق ذقنه أو «لتوثيق لحظة من حياته»، وحشد له متابعين في تلك اللحظة تحديداً!

ختاماً: عام 1885 كان استخدام الكوكايين والأفيون شائعاً في الولايات المتحدة لعلاج آلام الأسنان، وكان هناك الأفيون المقطر المخصص للأطفال يباع في صناديق بـ15 سنتاً للصندوق. بل كانت هناك أماكن مخصصة لتعاطي الهيروين بشكل قانوني. يبدو ذلك مشهداً من فيلم خيالي لكنه الواقع في القرن الـ19، وسؤالي هو: كما يبدو مشهد القرن الـ19 خيالياً ومجنوناً، فهل ستنظر الأجيال المقبلة إلى عهد (سوشال ميديا)، وتتساءل: ما هذا الجنون؟

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر