5 دقائق

الصحة العامة والتضليل الإعلامي

عبدالله القمزي

بين فترة وأخرى، تُصدر وزارة الصحة تحذيرات من استخدام أدوية معينة، أو من مستحضرات ذات استخدامات طبية يتم الترويج لها في وسائل التواصل الاجتماعي، كون الوزارة الجهة الوحيدة المخولة بهذه المهمة.

لجوء الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان أو الاطلاع أو استقاء المعلومات، أصبح سمة واضحة في هذا العصر، لكن المشكلة في نوعية المعلومات المستقاة، لا نتحدث عن الشائعات هنا، وإنما تداول ونشر المعلومات المغلوطة.

مثلاً، ينساق الناس خلف قصص تنتشر في الـ«واتس أب» عن وصفات طبيعية مجربة من قبل أشخاص وهميين، أو فيديو لمدّعٍ يتحدث عن فوائد الكركم في إزالة التجاعيد، وقد تبدأ بعبارة تفوح منها رائحة المؤامرة: ما لا يريدك الطب الحديث أن تعرفه! وتنتهي بعبارة: لا تنسونا من دعائكم، وهي عبارة شهيرة تعكس تذاكي الجهلة على العلم الذي لا يستطيعون مجاراته، فيلقون باللائمة على المؤامرات، متناسين أن الطب الحديث المعتمد من قبل الدولة مبني على البحث العلمي.

الرسائل الكاذبة المتعلقة بالصحة العامة تنتشر حتى في الولايات المتحدة، وتعتبر هناك أسوأ نوع من الأخبار الكاذبة، ولا يوجد مجال يحتوي على أخبار كاذبة كما هي الحال في الصحة العامة.

جزء كبير من المشكلة يتعلق بشركات العلاقات العامة المتعاقدة مع المراكز البحثية والطبية، لأن وظيفة صحافي العلاقات العامة تضخيم الخبر ليصل إلى أكبر عدد ممكن من البشر، وبالتالي يضخمه ويفخمه ويضع عنواناً جاذباً، وليس بالضرورة دقيقاً، كطُعم للقراء الذين سيضغطون عليه ليزيد عدد زوار الموقع، أو زيادة نقرات الإعجاب (لايكات)، وهو مقياس شعبية المادة المنشورة.

البيئة الصحافية الحديثة التي نعيشها تكافئ هذا الأسلوب في العمل، حصول الصحافي على مادة شعبية ونشرها على الشبكة لجذب القراء والمعلن معاً، لكن هذا الأسلوب يخلق مشكلات لأن الإعلام والبحث العلمي يعتمدان على منهجين مختلفين جداً في تحصيل النتائج.

عملية البحث العلمي تأخذ وقتاً طويلاً جداً يقاس بالسنين والعقود قبل إقرار النتائج، بينما عملية إنتاج الخبر الصحافي تقاس بالدقائق والساعات. والتقدم العلمي لا يحقق قفزات إلى الأمام كما هي الحال في البيئة الإعلامية، وحتى بالنسبة للصحافي الذي يغطي الشؤون العلمية فإن المعلومة الطبية المفيدة مملة! ما لم يُعِد تفصيلها لتتناسب ومعايير عمله.

بالنسبة للقراء فإن الأخبار المضللة، في السياسة والاقتصاد والمنوعات وغيرها، ليست بأهمية الأخبار الصحيحة والمضللة معاً في الصحة العامة، نظراً إلى أن الصحة بشكل عام تمس كل إنسان على حدة بصورة شخصية.

الطبيعة البطيئة للبحث العلمي تُستغل أحياناً ضده، فالعلم يأخذ وقتاً طويلاً للإجابة عن الأسئلة، وأحياناً يتم دحض النتائج، وأحياناً الفكر العام للبشر يتغير، وأحياناً تظهر دراسات علمية تنفي ما نشرته دراسات سابقة.

ختاماً: لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تطوير صناعة الإعلام، لكنها في الوقت نفسه أسهمت في هبوط المعايير المهنية بصورة كبيرة، فلو قرأت في موقع مثلاً عنواناً يقول إن «الشوكولاتة والقهوة تساعدان في تقوية القدرات الجنسية»، فتأكد أن الموضوع يتحدث عن الفئران وليس البشر، هذا مستوى الهبوط الذي وصل إليه الإعلام الجديد، ومن أجل ماذا؟ لايكات!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر