أبواب

الديوك

أحمد حسن الزعبي

كان الديك مثلاً للشجاعة والقوة والفصاحة، فإذا أردت أن تمتدح شخصاً وتجمل معظم صفاته الحميدة بكلمة، فما عليك إلا أن تقول «فلان ديك».. أي أنه رجل حقيقي بكل شيء، ولا يخيّب ظنك أبدأ، كما أطلقنا وصف «الديكنة» بحق الأطفال النجباء والديناميكيين؛ فكلما شاهدنا طفلاً ذكياً فصيحاً نشيطاً جريئاً قلنا «الديك الفصيح من البيضة بيصيح».

تغيرت كاريزما الديك المعاصر بتغير الزمن - على ما يبدو - فلم يعد ذلك الشجاع اليقظ المتفائل المتحمّس الحارس صاحب المبادئ «الحمش» الغيور المقاوم المناضل مهيوب الجانب.

حتى في الحواري القديمة، مجرد مرورك من أمام البيت أي بيت، كان يقف في وجهك الديك، ويطلق «قوقأة تحذير» لك، ويظل يراقبك حتى تنصرف من المكان مثل رب أسرة «حمش». وأحياناً يطارد من لا يعجبه سلوكه أو بادر أحدهم بإيذائه أو الاعتداء عليه، فإنه لا يتوانى عن «النقنقة» والرفش برجليه وأظافره، فهو يعتبر نفسه حارساً يقظاً، طائراً لديه كرامة واعتداد بالنفس، حتى إنني كنت أحسّه في بعض الأحيان يغار على دجاجته مني.. فكلما مررت من أمام الخم يبقبق سريعاً وتنصرف حريمه؛ وكأنه يقول: «فوتي جوه يا مرة».

**

لقد تغيرت كاريزما الديك المعاصر بتغير الزمن - على ما يبدو - فلم يعد ذلك الشجاع اليقظ المتفائل المتحمّس الحارس صاحب المبادئ «الحمش» الغيور المقاوم المناضل مهيوب الجانب؛ فقد استسلم لتغييرات الزمن ككل، وفهم اللعبة، وعرف أن هذه الصفات في هذا الزمن المائع تسمّى «عباطة»، وليست شجاعة أو رجولة.. لفت انتباهي قبل يومين ديك مائل الذيل متّسخ العرف كان قدّ كور لنفسه في التراب مكاناً تحت زيتونة، مررت بجانبه، نظر إليّ بعين ناعسة، ولم ينطق «ببقبقة» واحدة، مررت ثانية لأستفزّه، لم يأت بأي حركة تذكر.. نظرت حوله، وإذا بدجاجاته تسرح وتمرح على بعد أمتار بعيدة بمنتهى الحرية، اقتربت «منهن» لأستثير «حميّته»، فأشاح برأسه بعيداً عني وعن ما سيجري، وكأنه يختصر الشرّ، أو يواسي نفسه أنه لم ير شيئاً.. في نهاية المطاف ضربت عليه بحبّة حصى ليثأر لكرامته، ويهاجمني أو على الأقل يطلق صياحه تجاهي، لكنه خذلني وهرب!

للأمانة خذلني الديك «آخر رموز الكرامة» بهذا التصرف الانهزامي الاستسلامي، وكنت أنوي ذبحه أو استبداله بديك آخر، ثم تراجعت عن قراري في اللحظة الأخيرة، فهو جزء من حالة عامّة، ومن غير المنطقي أن أطلب منه أن يكون ديكاً تقليدياً في زمن تغيرت فيه الديوك كلها.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر