5 دقائق

الخوف.. أداة لتطوير الذات

عبدالله القمزي

علاقتنا مع الخوف معقدة، فهو من جهة شيء يستخدم عاملاً لإثارة الرعب في نفس المشاهد في الأفلام، إلى درجة تخصيص موسم لأفلام الرعب يسمى «هالوين»، يدرّ على هوليوود نصف مليار كل عام. وأيضاً يستخدم في ألعاب الملاهي مثل لعبة «رولر كوستر»، وهذه اللعبة تقف خلفها صناعة كبيرة، تعتمد على وضع الشخص في وضعية حركية سريعة جداً حتى يطغى شعور الإثارة على شعور الخوف من الموت.

هذان الموقفان يعكسان خوفاً مزيفاً يقع خارج نطاق الحياة نتيجة إطلاق الجسم هرمون الأدرينالين، فيستمتع الشخص من دون تعريض حياته لخطر. من جهة أخرى، فإن مهددات الحياة الحقيقية ليست بها أي متعة، فانقلاب سيارة بسائقها ليس كركوب «رولر كوستر»، وتعمد الشخص المخاطرة بحياته لا يعتبر سلوكا سوياً.

وبما أن الخوف الحقيقي شعور كريه، ويفضل البشر تجنبه بأي ثمن، إلا أن العلم له رأي آخر، إذ يعتبره أحد أهم أسباب تطوير الذات، ومن الممكن أن ينمي الخوف في الشخص فضائل عدة مثل الشجاعة.

ستانلي راتشمان، عالم نفس وخبير في الخوف بجامعة بريتيش كولومبيا، أجرى دراسة على أشخاص في وظائف خطرة جداً، مثل مفككي قنابل وجنود قوات خاصة، وتوصل إلى أن الشجاعة فضيلة مُساء فهمها عندما توصف بأنها انعدام كامل للخوف.

حسب راتشمان، الشجاعة هي تملّك الشخص قرار مواجهة الخوف رغم خطورة الموقف، فالشجعان ليسوا أشخاصاً معدومي الإحساس بالخطر، بل هم يشعرون ويعترفون بالخوف لكنهم يرفضون السماح له بالسيطرة على سلوكهم. بناء على ذلك، حسب راتشمان، فإن الخوف ليس نقيضاً للشجاعة بل هو شرط استباقي لها.

الفلسفة انضمت إلى دراسة راتشمان، وأضافت على التعريف أن الشجاعة هي مواجهة الخوف من أجل المصلحة العامة، ذلك يعني أن الشخص يواجه الخوف بالنيابة عمن هم أضعف منه، مثلاً مساعدة شخص في موقف طارئ، كحالة غرق، بتعريض نفسك للخطر، أو الدفاع عن شخص يتعرض للتنمر.

أبحاث أخرى حديثة عن الخوف وضعت له تصنيفات جديدة خارج سياق تعريض النفس للأخطار المباشرة، مثل الخوف الاجتماعي، فحسب استطلاع رأي في الولايات المتحدة تبين أن السبب الأول للخوف لدى الأميركيين هو التحدث أمام جمهور.

الخوف الاجتماعي أيضاً يختلف باختلاف الثقافات، فالأميركيون يرون فيه إذلالاً، خصوصاً لو لم يحسن الشخص إيصال أفكاره أمام حشد من الجمهور. بينما نحن العرب لدينا الخوف نفسه متمثلاً في الخوف من العار والفضيحة والخزي، وما لها من آثار اجتماعية وخيمة على الفرد والمجتمع.

هذا الخوف الاجتماعي في بعض الثقافات أقوى من الخوف من العقوبة أو الموت ، ولعل الكثير منا سمع جملة «أموت ولا أتعرض لهذا الموقف»، وهي جملة صادقة رغم أنها تحمل الكثير من المبالغة.

ختاماً: تجنب الخوف ليس حلاً بل دعوة إلى مزيد منه، والحل الوحيد هو مواجهة الشخص لمخاوفه، وهذه المواجهة كلما تكررت تولّد خبرة في التعامل مع المشكلات والأزمات. ولعل أصدق مثل على ذلك هو للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: «ما لا يقتلك يجعلك أقوى»، بكلمات أخرى، هناك حقيقة ثابتة عن الخوف: تجنبه وسينمو ليصبح أقوى، أو واجهه وحتماً سيضعف.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر