أبواب

سلة التكنولوجيا

أحمد حسن الزعبي

كعادة الزوجات «المطمئنات الواثقات» بدأ الشيطان يقرأ لها النشرة المفصلة لتوقعات الغياب، ويوسوس لها مع من وأين يقضي الرجل سهرته وماذا يفعل؟ أمسكتْ بالهاتف مرات عدّة، ثم تركته في محاولة لكبت الشكّ، تعالت وتيرة الوسوسة بعد أن شاهدته «متصل الآن»، فاضطرت إلى الاتصال مباشرة.. بعد الرنة الأولى أجاب الزوج:

- ألو نعم

- الزوجة: مع مين سهران؟

- الزوج: مع اثنين سامسونغ وواحد أبل وواحد هواوي..

- الزوجة: ما فهمت؟

- الزوج: مع أصحابي بس كل واحد ماسك تلفون ما حكينا ولا كلمة.

**

بالفعل صار الطابع العام للقاءات والسهرات هي لقاءات إلكترونية بحتة، بعد السلام والجلوس يخرج كل واحد من الحضور هاتفه النقال ويبدؤون بتصفّح الأخبار والمواقع والرسائل. تقدّم الضيافة ويأخذون الشاي والقهوة دون أن يلتفتوا إلى الفتى الذي يقدّم الضيافة أو يسألونه عن اسمه لتبقى عيونهم على شاشات الهواتف، نادراً ما تنطلق كلمة أو حوار أو يفتح حديث إلا إذا كان المصدر من الهاتف النقال نفسه. يقوم المضيف بإطلاق «عبارة أهلاً وسهلاً»، ويغطس في هاتفه من جديد، فيرد عليه الحضور «أهلاً فيك»، ثم يمارسون الغوص هم أيضاً بصمت مريب سوى صفير رسائل «واتس أب» أو نقنقة المشاركة على «فيس بوك» و«تويتر». تغيب دقائق طويلة، وكل شخص مشغول بعالمه المنفصل البعيد آلاف الكيلومترات، رغم أن المسافات المادية لا تبعد سنتيمترات قليلة عن الشريك والصديق والجالس بالمحاذاة. «أهلاً وسهلاً»، و«أهلاً بيك» تشبه ذلك التنفّس القصير الذي يقوم به الغوّاصون فوق سطح الماء للاطمئنان على الأجواء، ثم الغوص ثانية.

**

قالي لي أحدهم: إن الأولاد دأبوا على زيارة أبيهم المسنّ والجلوس معه كل نهاية أسبوع، هذا الاجتماع الأسبوعي كان المتنفس الوحيد للوالد، لكن منذ أن انتشرت الهواتف الذكية صاروا يحضرون بأجسادهم ويغيبون بأرواحهم، كل واحد منهم يبحر في هاتفه الذكي وينسى وجود الشايب المشتاق لهم جميعاً وسماع أخبارهم وأخبار أولادهم. ذات خميس وضع الحجي سلة فارغة على الطاولة في غرفة الضيوف، وقال لهم: «كما كنت أصادر الألعاب بطفولتكم سأصادرها برجولتكم، من الآن فصاعداً تضعون هواتفكم في هذه السلة وتأخذونها في نهاية السهرة.. أو لا تحضروا من الأساس. إذا انقضى العمر يا أولادي لن توصله كل خطوط الـ(واي فاي)».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر