أبواب

«سي يو أغين»

أحمد حسن الزعبي

العام الماضي وأنا واقف على جانب الطريق في انتظار وسيلة مواصلات تأخذني إلى سيارتي التي ترقد على سرير «الحدادة والدهان»، أضاء لي «تاكسي» من بعيد فأوقفته وأعطيته خارطة طريقي بكلمتين: «المدينة الصناعية»، نظرت إلى «تابلو» السيارة فشاهدت صورة للاعب مشهور يقف على العشب الأخضر مع حارس مرمى المنتخب السابق، قارنت بين الصورة والسائق فاكتشفت أن سائق «التاكسي» هو نفسه اللاعب المشهور الذي شغل الدنيا في نهاية الثمانينات إلى منتصف التسعينات، فقد كان هدّافاً محترفاً ولاعباً فريداً عندما يدخل الملعب تهتزّ المدرجات بالهتاف والتشجيع، وغالباً ما كان حسم المباراة يتم بإمضاء رجله اليسرى التي ترمي كراتها النارية من مسافات بعيدة. أثناء الدردشة القصيرة معه اكتشفت أنه لم يخرج بمسيرته الكروية كلها سوى بهذا «التاكسي» الذي يسترزق منه، فقد خذلته الكرة كما خذلته الجماهير التي كانت تهتف له في المستطيل الأخضر، لكنها تركته تائهاً في دائرة الحياة.

المهم، بعد أن شارفت على النزول أعطاني الــ«بزنس كارد» وقال: «عندنا جبنة بلدية مغلية.. أصلية إذا بتحب»، فعرفت أن عمر النجومية قصير في بلادنا. قلت له: «بتشرّف.. أراك مرة أخرى».

قبل أسابيع لفت انتباهي محل صغير تتدلّى منه الحقائب النسائية والشالات والجوارب الطويلة وأقلام التخطيط، ومكتوب على اللافتة تسجيلات الطرب، دخلت المحل طلبت من صاحب المحل «سي دي» موسيقى، وأثناء قيامه بنسخ القرص «لا يوجد عندنا في السوق شيء اسمه أصلي»، لفت نظري صور الشاب مع كاظم الساهر ووائل كفوري وملحم زين وفارس كرم، وثمة صورة للشاب نفسه، ممسكاً بالعود ويدندن، قلت له: تحب النجوم؟ ابتسم وعرّف عن نفسه بأنه المطرب «فلان الفلاني»، وكان قد شارك بعض من تصوّر معهم بحفلات مهمة وجماهيرية، حزنت على الشاب لأنه شبع تصفيراً وتصفيقاً من الجمهور، وشبع «تصفيراً» من الجوع و«تصفيقاً» من الحياة على خده الأيمن أيضاً، فعرفت أن عمر النجومية في بلادنا قصير جداً. وقبل أن أغادر، قال لي: في عندي عطور تركيب إذا بتحب، ما بتفرقها عن الأصلي، قلت له: لم يعد في هذا الزمن أي شيء أصلي، ركّب لي «بلو شانيل» ع كيفك! أخذت الزجاجة والقرص وقلت له: أراك مرة أخرى.

هذه الأيام تحتل الأغنية «سي يو أغين» عرش «يويتوب» بعد أن أقصت «غانغام ستايل» عن عرش الصدارة، واحتلت مليارين مشاهدة، ماذا لو كان صاحب «سي يو أغين» عربياً؟ في أحسن الأحوال سنراه بعد سنتين يجلس في محل «للفوط والمنظّفات».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر