5 دقائق

كلهم متفاهمون.. أميركا و«القاعدة»

عبدالله القمزي

نصل إلى ثالث أكثر نظرية مؤامرة انتشاراً في المجالس، وهي التفاهم بين أميركا وتنظيم القاعدة، الذي تزعمه الهالك الإرهابي الشهير أسامة بن لادن. اعتاد العقل العربي الكسل ولوم كل شيء على نظرية المؤامرة، وهي عقلية انهزامية، فنحن شعوب لا تقرأ، وإن قرأت لا تفكر ولا تحلل ولا تبحث، ونختار تكذيب الواقع، وتصديق الأوهام!

نحن شعوب لا تميز بين ما يسمى تفاهمات من تحت الطاولة وبين المؤامرة الحقيقية، وكلها ممارسات تحدث في السياسة الدولية. الأولى مثلاً تحدث بين طرفين عدوين، كالتفاهم بين إسرائيل و«حزب الله»، أن تقصف الأولى أيَّ شحنات أسلحة متجهة إلى الطرف الثاني، لو مرت في الأراضي السورية فقط.

أما المؤامرة، فأبرز مثال عليها، هو التسجيلات الصوتية لحمد بن خليفة، التي شاهدناها في وسائل الإعلام، يتآمر فيها ضد أمن جيرانه، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وتلك مؤامرة لا خلاف عليها، فهو خطط سراً للإضرار بدولة جارة، وهو بالضبط مصطلح المؤامرة، لو بحثناه في أي قاموس لغوي أو سياسي.

جذور نظرية مؤامرة التفاهم الأميركي وتنظيم القاعدة، تعود إلى دعم واشنطن للتنظيم، أثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979-1989)، عندما كانت واشنطن حليفة مع ما يسمى «المجاهدين»، حيث التقت مصالح الطرفين في تلك الحرب، ولم تنكر واشنطن ذلك الأمر أبداً، وتقر بأن سياستها ساعدت في نشوء التنظيم، قبل أن تتخلى عنه بمجرد انسحاب موسكو.

وعندما تحالفت دول الخليج، بقيادة الرياض، مع واشنطن ودول عربية وإسلامية عدة، لإخراج نظام صدام حسين من الكويت لم تجد «القاعدة» حلاً سوى تكفير أنظمة المنطقة، وإعلان الحرب ضد الولايات المتحدة في صيف عام 1996، ونتيجة لتلك الحرب حدثت ثلاث هجمات رئيسة:

الأولى: تفجيرا السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، اللذان أسفرا عن مقتل 224 شخصاً، منهم 12 أميركياً.

الثانية: تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول»، عام 2000، في ميناء عدن، ومقتل 17 بحاراً على متنها.

الثالثة: هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في نيويورك، التي أسفرت عن مقتل 3000 شخص تقريباً، والتي ولدت الحرب الدولية على الإرهاب.

لسنا بحاجة إلى سرد المزيد من الأحداث، للدلالة على أن الطرفين غير متفاهمين، فلا توجد دولة في العالم تستطيع أن تكذب على الجميع كل الوقت، ولا تستطيع دولة في العالم - بحجم الولايات المتحدة - تعتمد الديمقراطية واستقلالية المؤسسات والقضاء، إخفاء مؤامرة عن شعبها بهذا الحجم. وتحقيق هجمات سبتمبر - الذي أجرته لجنة من «الكونغرس» نشر عام 2004، ومتوافر في شكل مجلد ضخم - لا يشير إلى مؤامرة أو تفاهم بين أميركا و«القاعدة».

كل من يؤمن بنظرية مؤامرة لا يستطيع إثباتها، وكل من يؤمن بها لا يقرأ، وإن قرأ فهو يستقي معلوماته من مصادر غير معروفة، تتسم بالجهل الشديد، وبعيدة عن كل ما ينشر في الصحف، أو ما في بطون كتب وضعها مؤلفون معروفون، ومشهود لهم بالنزاهة والعلم.

ختاماً: الدول العظمى مشغولة جداً بتحقيق مصالحها، ولا وقت لديها تضيعه في التآمر على شعوب لا تقرأ، ولو أرادت أي دولة عظمى السيطرة على شعب ما، فستفعل ذلك بالقوة الناعمة، أي ترويج ثقافتها بكل سهولة، دون الحاجة إلى التآمر.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر