أبواب

جريدة تحت الباب..

أحمد حسن الزعبي

شعور موحش كنت أحسّ به عندما تغادر كل صفوف المدرسة ويبقى صفنا الوحيد الذي يصدح بالدروس، والأكثر وحشة عندما يبقى من المدرسة كلها طلاب على عدد أصابع اليد الواحدة لغايات تنظيف الصف.

**

الشعور الموحش الآخر عندما تسمع في الصباح الباكر أصوات عجلات الحقائب في ممرات البناية، و«طقّات» الباب تغلق، وفي الليل تزيد الشقق المطفأة في البناية واحدة، كل يوم تطفأ شقة ويغادر أصحابها في إجازة الصيف، وتبقى وحيداً تشتاق إلى ذلك الضجيج اليومي، إلى التوقيت المحدد الذي تلتقي فيه جارك وهو يشدّ ربطة العنق على مرآة المصعد، إلى الأطفال المسرعين للّحاق بباص المدرسة، إلى إزعاج الأولاد في الممرات، إلى عبثهم الطفولي بمفاتيح الإضاءة، إلى صوت عامل البقالة الهندي، وهو يوصل بعض الطلبات العاجلة والأكثر تكراراً: «خبز ولبن وكولا».

ذات اغتراب، كنت أكتشف الشقق المجازة من هيئاتها، من برودة جدرانها والعتمة التي تتسلل تحت أبوابها كخصلة صمت.. تتكاثر الصحف الإعلانية الأسبوعية التي ترمى على دواسة الباب، وتكثر نشرات التنزيلات في محال «السوبر ماركت»، التي تلف وتوضع في المقبض، كي تضمن يد المالك، وترمى قصاصات إصلاح التكييف ومكافحة الحشرات وسيارات الغاز كذلك، كلها تتراكم يوماً بعد يوم على درجة الباب، والمعنيون من كل هذا في إجازة، قد حملتهم طائراتهم إلى أهاليهم وبلدانهم، هناك يقضون عطلة تشبه الحلم القصير.. صحيح أنه لم تكن بيننا - كجيران - علاقات صداقة أو معرفة، لكني كنت أحسّ بالوحدة عندما أفتقد اللسان العربي والنداء العربي والتحية العربية في رحلة المصعد القصيرة.

لذا كنت أحاول تعويض الغياب المؤقت لجيراني العرب بزيادة جرعة المجاملات مع جيراني الهنود والروس، على ما يبدو أنهم مثلي لن يقضوا إجازة في بلادهم هذا العام أيضاً، لذا ها هو يجمعنا قاسم مشترك جديد، غير اللغة والدين والتاريخ والعرق، إنه المصير المشترك المنسي في كتب الاجتماعيات.

بالمناسبة، في شهري يوليو وأغسطس، اللذين كنت أحرم فيهما إجازتي السنوية بسبب ضغط العمل، كنت أقوم مع كل غروب بترتيب الصحف الإعلانية أمام بيوت جيراني المجازين، أجمع قصاصات الإعلان، بالإضافة إلى رسوم ميكي ماوس وبالونات غير منفوخة، وأضعها تحت الجرائد الثقيلة لحين عودتهم.. وقبل أن أغلق عليّ شقتي.. كنت أشعل ضوء «الممر الطويل»، كي يظل مضاء مستيقظاً يؤنسني.. ألا تكفيني وحشة غيابهم؟ فكيف لي بوحشة الليل؟!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر