أبواب

حسب الجو

أحمد حسن الزعبي

دائماً ما يحيّرني هذا السؤال: لماذا نصبح ودودين فجأة، نظاميين، ملائكة في التصرف والسلوك والقلوب، عندما نحلّق في الجو على ارتفاع 35 ألف قدم، ولا نكون كذلك عندما نمضي كل حياتنا على الأرض؟

فجأة نصبح منصتين جيدين ومتابعين نهمين لحركات مضيفة الطيران وهي تمثل لنا وسائل السلامة العامة في حال المطبات الهوائية والحوادث الجوية، لا سمح الله، وتشير لنا إلى أبواب الطوارئ، ونحرك رؤوسنا مع أصابعها بحثاً عن أبواب الطوارئ، وكأننا فعلاً نبحث عن مخرج طوارئ، بينما بالمقابل، نحاول أن نلهي أنفسنا بأي شيء على أن نستمع لأم العيال وشرحها المفصل بضرورة نقل الثلاجة من المطبخ إلى الموزّع، وتفصيل رفوف جديدة، ونحرّك رؤوسنا عكس أصابعها، باحثين عن مخرج للطوارئ يهرّبنا من طلباتها المكلفة..

**

حتى الذين يجلسون في الكراسي المحاذية في رحلة الطيران نحرص كل الحرص على ألا نضايقهم، نلملم أرجلنا كي لا تلمسهم سهواً، ونعدّل جلستنا كي لا نتعدى عن الحدود المسموحة لنا، نحاول أن نفتح معهم أي موضوع يتيسّر بيننا، بدءاً بامتداح الرحلة، ومروراً بطبيعة العمل، وانتهاء بتبادل أرقام الهواتف.. بينما في البيت أحياناً أشعر بأنني أخطبوط أو أبوالـ44، لكثرة الأرجل والأيدي التي تحيط بي بسبب الفوضى في الجلوس، وعندما أصحو باكراً أجد رجل آخر العنقود تمتد بشكل قطري من كتفي إلى قفصي الصدري مثل الكلاشنكوف.. بالمقابل لا نتوانى عن «دفش» أي من أفراد العائلة، بحجة ضيق المساحة، وإغلاق أي موضوع يفتح للحوار، سواء بالتذمر من الطقس الحار أو كآبة الجلوس في البيت، والانشغال بالهواتف الذكية.

في الرحلة الجوية تمر المضيفة بين الكراسي أكثر من 20 مرة، وفي كل مرة تمر فيها، لا شعورياً نبتسم لها ونهزّ رؤوسنا بتحية لطيفة، وعندما تسألنا «tea ..coffee؟» نتنحنح ونقول «coffee please»، وعندما تنتهي من سكب الفنجان نبتسم ونحني رؤوسنا إلى الأمام، ونقول بنعومة فائقة «thank youuuu».. أم العيال المسكينة تمر 1000 مرة من أمامنا، من الصالون إلى غرفة الجلوس إلى المطبخ وبالعكس، محملة بالشاي والقهوة والعصير الطبيعي والبطيخ، ولا نلتفت إليها.. بالعكس إذا كانت ترتدي شبشباً له كعب أثناء التجوال، فحتماً ستصلها هذه الشكوى «خلااااااص خوثيتني.. نكشتي مخي».

ليتنا نكون على الأرض كما نكون على الجو.. ليتنا نتعامل مع العمر على أنه رحلة، والزوجة مضيفة، والأولاد والأشقاء والجيران ركاب مجاورون، والزمن «كابتن الطائرة الذي يقلع ويهبط كما يريد ونسلّم له أمرنا».. ليتنا نقوم بكل ذلك حتى نعيش بمثالية المسافر..

أو بدون فلسفة «ليت المدام تلبس لباس مضيفة وخلاص»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر