مزاح.. ورماح

«الحقيقة أنا لا أتعاطف معك إطلاقاً!»

عبدالله الشويخ

يأتيك لاهثاً، ويطلب منك أن «تتزقرت»، لأنكما ذاهبان لحضور قداس شخص يسمى «غابرييل كرواسونيمو»، ولأن للموت قدسية فأنت تذهب لشراء باقة من الورد، ولكراء بدلة تناسب المناسبة.. وحينما يجتمع المشيعون تسأل اللاتيني الواقف بجوارك عن سبب وفاة «المرحوم»، فيخبرك بأنه شارك في تلك المسابقة السخيفة، التي يجري الناس فيها أمام الثيران الهائجة في مدينة قديمة، تحمل اسماً لاتينياً آخر.. في مهرجان دموي آخر.. وكان من سوء حظه أنه تعثر فسقط.. فوجد قرن الثور (الذي يصوره الراوي كمجرم في هذا الموقع) طريقه إلى حنجرته، وكانت هناك النهاية!

في الحال، وكأي شخص «نباتي» الروح.. تتغير نظرتك للقصة كلها، تشعر بالملل، وتنظر إلى التابوت الذي يسجى فيه العزيز «غابرييل»، لكن دون أي شفقة أو عطف هذه المرة.. كان «المرحوم» مغفلاً، وقام بهذه المغامرة الغبية، فلماذا يجب عليَّ التعاطف معه؟!.. هل ضربته على «ظهره»، وطلبت منه أن يذهب إلى ذلك المهرجان؟.. هل أنا من اشترى له تذكرة الرحلة؟.. هل بكيت أمامه «أون ماي نيث»، لكي يجري أمام ثور أهوج، ليس له حظٌ من العقل سوى حب اللون الأحمر.. ولماذا؟! لكي يحصل على قليل من التسلية!

ثم يطلب مني الكاهن أن أقف لدقيقة صمتاً على روحه التي خرجت.. أو تكاد! اعذرني يا صديقي.. في الحقيقة أنا لا أتعاطف معك إطلاقاً..!

وبعيداً عن «المرحوم» غابرييل، وفي الجزء الآخر من العالم.. أفتح الباب بعد جرس لحوح لأجد صديقي «غلوم» ينتظرني.. أنا أعرف هذا المشهد تماماً.. اللحية نصف النابتة.. الكندورة نصف المكرفصة.. العين نصف المغمضة.. وبالطبع الغرشة نصف الفارغة.. أو نصف المملوءة طبقاً لحذلقات قصص التفاؤل!

«أنا محبط».. أتجاهل جملته لأني أعرفها تماماً.. بالطبع أنت محبط فلا يجيء شخص بهذا المنظر لكي يبيعك كوبونات لرحلة صيفية.. هو أيضاً يعتقد أنني سأتعاطف معه، وآخذه بـ«الحضن» مباشرة.. للتخفيف عنه.. هو الذي يتابع أخبار السياسة لحظة بلحظة.. ولا يترك صحيفة ولا موقعاً ولا وسيلة للتواصل إلا وطالعها، ثم يقوم بكسر الحظر عن القنوات والمواقع التي تمنعها الجهات المختصة.. قال إيه؟!.. لسماع الرأي الآخر ومعرفة ما يدور في هذا العالم.. يتابع أخبار الأرجنتين وبيرو وكوريا الشمالية وإفريقيا الوسطى.. وإنته مال أهلك يا أخي؟!.. ثم يأتيني لكي يبكي، ولكي آخذه بـ«الحضن».

لا يا صديقي إنته وحدك السبب في حالتك النفسية.. أنا لا أتعاطف معك إطلاقاً.. وهذا الحضن ليس مخصصاً لذي «شنب».. أنا أعتبر ذلك نوعاً من التجديف.. وعدم حفظ النعمة!

تعاطفي لمن يستحقه فقط.. وليس لمن يطلب الهمَّ، ثم يهرب منه!

#عبدالله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر