5 دقائق

التواصل الإلكتروني.. معانٍ وتفسيرات

عبدالله القمزي

طرحنا، الأسبوع الماضي، موضوع الابتسامة ومعانيها في ثقافات عدة، واليوم نأتي إلى موضوع لا يقل أهمية، وهو التواصل، أو الكتابة الإلكترونية، وهي باتت اليوم تشكل أهم طريقة للتواصل بين الناس عن طريق التطبيقات الإلكترونية، مثل الـ«واتس آب» ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«سناب شات» وغيرها.

الكتابة الإلكترونية، وتتمثل في أسلوب الكتابة بالأجهزة الذكية واستخدام المشاعر الإلكترونية (إيموجي)، باتت اليوم موضع دراسات بين علماء الاجتماع والباحثين لمعرفة معانيها وتفسيراتها وآثارها السلبية والإيجابية في حياتنا.

يمكن قراءة سلوك البشر من خلال كتاباتهم على تلك التطبيقات، فمثلاً الشخص الذي يكتب رسائله القصيرة تباعاً على شكل جُمل منفصلة، هو شخص مباشر وصريح لا يكتم ما بقلبه. والشخص الذي يكتب كل رسالته في فقرة واحدة طويلة هو كتوم لا يتحدث كثيراً.

الشخص الذي تكثر الأخطاء الإملائية في كتابته مستعجل، والذي تنعدم الأخطاء عنده ويستخدم علامات الترقيم يراجع كثيراً ويعكس نوعاً من المثالية.

على الجهة الأخرى، هناك أشخاص لا يطيقون الانتظار حتى ينتهي الطرف الآخر من كتابة الرسالة، وهناك أشخاص يعتبرون أن الذي لا يرد على رسائلهم بعد قراءتها مباشرة قليل الذوق.

التعبير عن مشاعر الفرح والحزن والغضب يختلف إلكترونياً من شخص إلى آخر، فالذي يعبر عن سعادته الغامرة يظهر ذلك في كتابته، فلو افترضنا أن الشخص (1) كتب مثلاً: «أنا سعيييييد جداً» ووضع بجانبها مجموعة وجوه مبتسمة، فإن الشخص (2) مثلاً يزيد عدد الوجوه المبتسمة عنده لو شعر بسعادة أكثر من الشخص (1).

السبب أن هذه الكتابات الإلكترونية تحل محل الحوارات بين الناس، وتعوض نقص الطبقات الصوتية، بمختلف مستوياتها، التي تعبر عن مشاعر وأحاسيس البشر.

التواصل الإلكتروني يختلف سلوكياً بين الأجيال، فقد كشفت دراسة أميركية أن المسافرين المراهقين من دول جنوب غرب آسيا، مثل الهند وسريلانكا، إلى بريطانيا، لا يفضلون الخروج من المنازل بعد الثالثة مساء، وذلك للبقاء على تواصل مع أصدقائهم الذين يزداد نشاطهم في ذلك الوقت بتلك الدول.

أيضاً كشفت الدراسة نفسها أن في الكثير من المجتمعات العربية تحفّظت بعض العوائل على فكرة إعلان ولادة طفل على «فيس بوك»، وفضلت الاتصال الهاتفي المباشر للإبلاغ عن مناسبة سعيدة كهذه، مشيرة إلى أن إعلان الولادة على «فيس بوك» يعكس مشاعر وهمية ولا يعني شيئاً مقارنة بمكالمة هاتفية تعكس معنى وأهمية العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ما يعكس أهمية وقدسية فكرة التواصل الشخصي في المجتمعات العربية.

الصمت أيضاً له معانٍ إلكترونياً، فهو قد يعني أن الشخص الذي لا يرد منزعج جداً، أو قد لا يكون له معنى عندما يكون انعدام الرد بسبب نفاد البطارية. أما في رسائل البريد الإلكتروني فقد يكون عدم الرد على كلمات الترحيب أيضاً قلة ذوق.

ختاماً: البشر مخلوقات مجبولة على إيجاد معانٍ وتفسيرات لكل شيء، التقنية وظروف استخدامها، تعتبر جديدة وتتغير بصورة سريعة جداً، لدرجة أن حتى أقرب الأصدقاء لا يستطيعون الاتفاق على معنى معين عند استخدامها، ولأن التواصل الإلكتروني إيحائي وليس علنياً ومباشراً، فهناك أحياناً معانٍ خفية يخطئ البشر فهمها غالباً.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر