أبواب

ألعاب الربيع..

أحمد حسن الزعبي

في مثل هذا الوقت يتفتح الورق الطري من براعم العنب، ويصبح لأشجار المشمش غرّة كغرة صبية أدهشتها أنوثتها فجأة، تلبس أغصان التوت ورقاً عريضاً لامعاً ودجاج الحي يخرج من مخابئه بريش جديد أيضاً..

اليوم يأتي الربيع ويصفرّ العشب ولا يغادر الأولاد أماكن جلوسهم، سارحون في عوالم «الآي باد» لا يعرفون الليل من النهار؛ إلا إذا حرّكوا ستارة الغرفة!

كان للربيع جمهور عريض: الأولاد ينقسمون حسب اللعبة، بعضهم يخرج عجلات الحديد ليركضوا بها على الإسفلت وفوق الرصيف ساعات المساء، لتحدث رنيناً لا ينقطع لكنه يقترب ويبتعد حسب اتجاه ركض الصبية، هذا الرنين الشهي أسميه صوت أساور الربيع، والبعض الآخر كان يخرج «الدواحل» يضع الكرات الزجاجية في جيبه ويختار مكاناً استراتيجياً مستوياً لم يمسه العشب، ليحفر فيه حفرة صغيرة بعمق تكوّر الكف مرتين، يرسم خط بداية بعد أن يخدش وجه التراب الطري بغصن يابس أو مسمار، ليبدأ التنافس على التصويب، صوت ارتطام الكرات الزجاجية ببعضها، كان يشبه صوت أقراط الربيع، كيف لا فالفصل عروس السنة وهذه الضحكات هي الحليّ والزينة!

الفتيات أقل حظّاً من الفتية، فليس بوسعهن أن يبتعدن عن باحات البيوت، إطعام الدجاج، وتوفير حطب الفرن ونداء الأمهات المتكرر، كان يجعلهن قريبات من باحات البيوت لكنهن لم يحرمن من اللعب.. يرسمن بالطبشور مستطيلاً طويلاً على مدخل الدار أو بين المنازل، يقسمنه إلى 10 مستطيلات ثم يحضرن أحجاراً خفيفة مفلطحة قابلة للركل والزحف، وتبدأ اللعبة الأكثر شهرة عند الفتيات «الحجلة».

بطبيعتنا القروية البسيطة لم نكن نعرف عندما نُخرج ألعابنا من مخابئها كل عام بنفس التوقيت، وعندما تنتشر لعبة شعبية فجأة بين الحارات أننا نحتفل بالربيع دون تقويم أو تقصّد.. كنا نشعر بالفرح، نتسابق على قضم بعض النباتات الطالعة قرب حيطان البيوت وعلى الهضاب القريبة، نبحث عن عشب حلو وطعم لا يمكن لنا أن نتذوقه إلا بين أصابع «نيسان».. كانت رائحة الغروب الممزوج برائحة الزهر البري العالق بأحذية المتنزهين تعبّق المساء.. رائحة أكياس «الخبيزة» والعكوب «الكزبرة» البرية و«الباونج» المتحدة برائحة الحطب المحترق داخل أفران البيوت الطينية تزيد فنجان الغروب طيبة.. كان الحليب الطازج فيه نكهة العشب البري.. والخبز فيه رائحة حطب الصنوبر.. كان للحياة بمجملها لون وطعم ورائحة..

اليوم يأتي الربيع ويصفرّ العشب ولا يغادر الأولاد أماكن جلوسهم، سارحون في عوالم «الآي باد» لا يعرفون الليل من النهار؛ إلا إذا حرّكوا ستارة الغرفة!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر