مزاح.. ورماح
«ثماني ساعات وست وعشرون دقيقة..!!»
كانت تلك هي كل المدة الإجمالية للأزمة القصيرة حين حاصرت مياه الأمطار فريجنا من أربع جهات..
بعد الساعة الأولى: بحث الجميع عن جارنا المقاول الذي قام بهندسة وبناء ثلاثة أرباع البيوت في الفريج.. ولكننا لم نعثر عليه.. كان هاتفه مغلقاً.. مازلنا نبحث عنه إلى اليوم.. خصوصاً أن أحدهم أقسم بأنه سيغلق به فتحة السطح التي يتسرب منها الماء إذا عثر عليه.
بعد ساعتين وعشر دقائق: أذن المسجد لصلاة الفجر، وهنا شب نزاع كبير بين جارين لنا تناقشا حول قضية فقهية في إمكانية الصلاة في المنازل أو ضرورة الذهاب للمسجد.. احتد النقاش قليلاً ثم قرر كلا الجارين تكفير فقهاء الجار الآخر.. والنتيجة أننا لا صلينا.. ولا بقيت القلوب متوحدة.
بعد ثلاث ساعات وست دقائق: خرج علينا مخلوق كثيف الشعر رائحته كسكان الكهوف يحمل أجهزة اتصال شخصية عدة.. به ملامح موروثة من أحد الجيران.. سأل الجمع الواقف: ليش الواي فاي مقطوع؟ هنا انتبهت الجموع إلى أن المياه قد تسببت في قطع الكهرباء.. نظرنا بتقدير للعامل البنغالي الذي جاء من قرية يغمرها الفيضان مرة كل ثلاثة أشهر ولم تغب برودكاستاته عنا قط!
بعد أربع ساعات وعشرين دقيقة: كان وقت خروج الموظفين إلى الدوامات وقد ملأ جارنا «الإيجابي» الفريج لعنات ومسبات، لأنه لم يستطع إخراج سيارته من المرآب بسبب المياه.. وبالتالي تعذر التحاقه بالدوام لحث الموظفين على الإيجابية!
بعد خمس ساعات وخمسين دقيقة: خرج جارنا التاجر من منزله سعيداً، فرغم أن الحالة تقع ليوم واحد في العام فإنه «حاسب حسابه» وبيته مرتفع عن منسوب المياه، وكراجه مؤهل للتعامل مع الحالة.. التجار هم القيادة الأفضل في الأزمات.. تذكرت شعار مولانا ترمب: لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى!
بعد سبع ساعات واثنتين وثلاثين دقيقة: بدأ الجمع ينفض وقام أحد الجيران من بقايا الطيبين بإخراج سيارته بعيداً عن الأعين، وغسلها بمياه الأمطار استجلاباً للبركة ودرءاً للعين.. البعض يتهمونه بالبخل وبأنه يوفر عشرين غسيل السيارة.. ولكن من قال إن الطيبين لم يكونوا لحوفاً؟!
بعد ثماني ساعات وست وعشرين دقيقة: خرجت زهور الحي يرتدين ملابس شتوية لطيفة وقد أعدت كلٌ منهن قارباً ورقياً من بقايا كتاب مدرسي لم يعدن بحاجة إليه.. أرسلنها بطيئة وواثقة في المياه.. وملأن الفريج بأصواتهن التي لا ترى في الأزمة إلا فرصة أخرى للحب والضحك والحلم!
#عبدالله_الشويخ
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .