مزاح.. ورماح

«3310..!!»

عبدالله الشويخ

لأني أجلس على طاولتي كذئب وحيد.. بينما يجلسن كمجموعة.. فمن الطبيعي أن أشعر بالحسد! لأنني أحمل في أحشائي عدداً كبيراً من السعرات الحرارية التي تحبني لدرجة عدم التحول إلى طاقة مهما فعلت، بينما هنّ كنّ كأنهن عرائس خارجات للتو من أي مجلة أزياء غير محترمة، فمن الطبيعي أن أشعر بالحسد.. ولأنهن ينظرن سعيدات في هاتف إحداهن ثم يقفزن فرحات، وتقبل إحداهن الأخرى، وهن يهتفن بسعادة: أخيراً.. الحمد لله.. فعليك أن تخشى من وجود خطأ ما إن لم أشعر بالحسد! كان عزائي الوحيد أنهن حين كنّ يقبّلن بعضهن فقد كن يقمن بذلك بطريقة أرستقراطية جداً، بحيث يبدو الوجهان كقاطرتين تواجهتا في طريق ضيق «سيد - رونق سيد»، واضطرتا إلى التلامس بتأفف من دون تحريك اليدين مع الصوت المميز للـ«امممح» الأرستقراطية جداً.. عزائي الوحيد أنني أشعر بأنهن لا يحببن بعضهن بالطريقة التي نحب بعضنا بها أنا وأصدقائي، نحن حتماً أكثر سعادة، والدليل الفرق بين الـ«امممح» النفاقية والحضن المليء بالسعرات الحرارية التي لا تريد أن تتحول إلى طاقة بيني وبين أصدقائي.

عرفت في ما بعد من أصواتهن الحادة التي تشبه سحب الطباشير على سبورة خشبية قديمة (هل تذكر ذلك الصوت؟) أنهن كن يُهنئن بعضهن على عودة الهاتف الشهير 3310 ويتمتمن بسعادة: الله! رجعت أيام الطيبين!

أستغرب حقيقةً من الشعور العام بالسعادة، وهو شعور طيب على أي حال، والثورة التي حصلت في الإعلام لعودة الهاتف الذي كان متوافراً بالمناسبة حتى عام 2005، بمعنى أنه لم يمر أكثر من «درزن» من السنوات على اختفائه.. حين يتحدث شخص عن «الطيبين» فأنا أتوقع أغنية بالأبيض والأسود من الستينات.. أتوقع كتاباً عليه توقيع هنري الأول، أتوقع أي شيء من أحافير الماضي، أما تقنية انقطعت قبل سنوات قليلة؛ فأعتقد أن في الأمر مبالغة ما! المهم أن الجميع سعداء، ولأن الجميع سعداء فأنا ماذا؟ لا يا سيدي لا أشعر بالحسد.. لست بذاك السوء! فأنا أيضاً سعيد وقررت أن أقوم بشراء الهاتف بمبلغ ميتين روبية كما تم الإعلان عن ذلك، لكي أعرف سر السعادة الغامضة، ولماذا شحفت تلك القاطرة الأنيقة وجه صديقتها في الطريق الضيق الـ«سيد - رونق سيد»؟!

أعتقد أن الأمر لا علاقة له بالبطارية ولا بالنوستولوجيا ولا أيام الطيبين، كل ما في الأمر أن الناس ملّت التعقيد، هواتفنا انعكاس لحياتنا، الناس ملّت كثرة الأضواء وتعقيد المعاملات، وكثرة الأصدقاء، وإمكانية أن يدخل إلى حياتك من يعرفك ومن لا يعرفك، والألعاب الاستراتيجية المعقدة، واللاعبين الذين لم تلتقِ بهم، والمواقع التي تجتر آثامها ليل نهار، والتمثيل المستمر، والممثلين الوقحين، كل ما يريده الناس هو العودة للبساطة؛ أزرار أقل، واجهات أقل، تمثيل أقل، الناس ملت وتريد العودة للذي كان قبل سنوات قليلة، هاتف رخيص، لكنه سيحمل الأصوات الدافئة الصادقة التي تستطيع أن تصنع يومنا كما يقول عيال ترامب!

#عبدالله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر