5 دقائق

الواقعية والواقع والأكاذيب

عبدالله القمزي

نلاحظ كثيراً عندما نشاهد فيلماً، سواء في السينما أو المنزل، صيحات استهجان من الجمهور أو حتى الأصدقاء مع تعليق شائع هو: ما هذا الكذب!

لكل شخص حرية تصديق ما يشاهد، والمشاهدة أساساً عملية تصديق، والعمل الفني لا يُجبر أحد على تصديقه. العمل قد يكون مصنوعاً من أجل الترفيه، وهنا لصاحب العمل الحق في إدخال عنصر المبالغة قدر ما يشاء، وليس لأحد حق في محاسبته.

صاحب العمل الفني صنعه، وكل هدفه تقديم عمل فني إبداعي، بغض النظر عن مبالغاته، وهو يعلم تلك المبالغات، لكنه وضعها وفق حسابات معينة.

السينما فن خيالي، تعكس الحياة، لكنها ليست الحياة، وليست تلفزيون الواقع، رغم أن من الصعب التصديق أن هذا الأخير يخلو من التمثيل! سلوك الشخصية ونبرة الفيلم هما غالباً معيارا المنطق في أي فيلم.

• في عالم السينما وبمعاييرها فإن استدعاء الشرطة سيفسد لذة مشهد انتقام البطل!

السينما أفضل أداة للهروب من الواقع، والتاريخ أثبت أن الأفلام الغارقة في الخيال الجامح تحقق النجاحات في أوقات الأزمات، فيلم «آفاتار»، مثلاً، طرح في عز الأزمة المالية العالمية، وكان الفيلم المناسب في الوقت المناسب، لأننا بشر لا نريد تذكر همومنا، بل نريد أن نذهب إلى عالم بعيد، ليس له أي علاقة بما نعيشه، بينما معظم أفلام حرب العراق (2003-2011) أخفقت في العقد الماضي.

للمشاهد حق لوم صانع العمل الفني لو شاهد «سبايدرمان» مثلاً يتأرجح بخيوطه العنكبوتية في منتصف فيلم دراما اجتماعية! نعم هذا كمنطق غير مقبول، وهو أقرب إلى أضغاث أحلام أو هلوسات منه إلى فن، لكن القفز بسيارة من برج إلى برج في فيلم حركة وإثارة بنبرة تهريجية يعد مقبولاً، وكذلك مشهد رجل يقاتل آخر متسلحاً بموزة في يده! هذه أفلام تقول ليس عليكم تصديق أي شيء، لكن اضحكوا ورفهوا عن أنفسكم.

هناك حالة أخرى استثنائية، وهي اندفاع بطل القصة لقتل الشرير في مكان يستدعي وجود الشرطة، في هذه الحالة هناك تعاطف شديد مع البطل، والنهاية تحتم أن يقتل الشرير بنفسه، وفي عالم السينما وبمعاييرها فإن استدعاء الشرطة سيفسد لذة مشهد انتقام البطل! مرة أخرى لم يقل أحد أن ذلك واقع! فقط استمتع بما تشاهده!

الواقعية ليست الواقع، الأولى تحاكي الواقع وهي خيال، بينما الثاني هو الواقع بعينه. السينما واقعية، بينما نشرات الأخبار هي الواقع، وهذا ما يعجز العقل العربي عن فهمه، والذي يستهجن وينعت كل ما يشاهده ولا يجده منطقياً بالكذب! حتى أفلام الخيال والأساطير وهجوم المخلوقات الفضائية أصبحت أكاذيب! ومن قال إنها واقع أصلاً، هي أعمال إبداعية في المقام الأول، فلماذا نقول إنها أكاذيب، وصانع العمل أصلاً لم يطلب منا تصديقها، ولم يدع قط أنها واقع، بل كتب على بطاقة الفيلم في خانة الصنف: خيال جامح أو علمي! فلماذا نعجز عن فهم هذه النقطة!

مسك الختام: كنت أتحدث مع صديق عن إعجابي ببعض أفلام السفر عبر الزمن، ومن لا يتمنى العودة ولو خمس دقائق إلى الماضي لتصحيح غلطة، فقاطعني قائلاً: هذه أفلام ضد القضاء والقدر! لم أناقشه، لكن كما ترون فإن هذا قد يكون أحد أسباب تخلف الإبداع لدينا.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر