5 دقائق

«إينيموري»

عبدالله القمزي

تختلف عادات وأطباع الشعوب من ثقافة إلى أخرى، فالكرم عند العرب يفهم كتبذير عند الغرب، ومفهوم الذوق أو «الإيتيكيت» أو السنع أيضاً، يختلف حسب الشعب. القيلولة أو نومة الظهيرة القصيرة عادةٌ مشتركة بين شعوب عدة، فهي معروفة عند العرب وأهل الخليج بشكل خاص، كما هي معروفة عند اليونانيين والإسبان والبرتغاليين واليابانيين.

لكن انتشرت، أخيراً، دراسات عدة، تناولت فائدة وأهمية القيلولة أثناء العمل، وآخر دراسة كانت في اليابان أكدت أهمية هذه العادة، وربطت بينها وبين زيادة الإنتاجية.

نحن كعرب - من المحيط إلى الخليج - قد لا نتقبل نتائج هذه الدراسة، لسبب بسيط هو ارتباط ثقافة العمل لدينا بشخص جالس في مكتبه ينجز شيئاً، ولقوبل هذا الأمر بالاستهجان والاستنكار والغضب، وهذه ردة فعل لن يختلف عليها أحد، وقد يؤدي الفعل إلى فصل الموظف.

ردة الفعل سلبية، لمخالفتها قيم أو حتى قوانين العمل التي نشأنا عليها، لكن لو نظرنا إلى العادة من وجهة نظر الياباني، لرأينا تفسيراً مختلفاً تماماً لتلك القيلولة أو الغفوة. اليابانيون يطلقون عليها اسم «إينيموري» أي (النوم أثناء الحضور)، ويعتبرها اليابانيون فرصة لإنجاز أمور عدة، في وقت واحد.

• «إينيموري» أي (النوم أثناء الحضور)، يعتبرها اليابانيون فرصة لإنجاز أمور عدة، في وقت واحد.

«النوم أثناء الحضور» في ثقافة العمل اليابانية منتشر بين الموظفين في الطبقات العليا وليس من هم أقل، وأيضاً لتلك العادة قوانينها، فلا يغفو الموظف بجانب أداة خطيرة أو في وظيفة تتطلب تركيزاً ودقة. الطريف في الأمر أن العادة ليست مقتصرة على أماكن العمل، بل من الممكن أن يغفو الياباني في وسائل المواصلات، أو على رصيف دون أن يخشى شيئاً.

أما لو نام أثناء اجتماع أو عشاء، فلا يعتبر ذلك إهانة للجالس أمامه، كما هي الحال في الغرب مثلاً، بل على العكس ينظر اليابانيون إلى ذلك بإشادة وتقدير، كون ذلك سلوكاً راقياً، إذ إن الشخص فضل الحضور وتكريس وقته لذلك اللقاء، بدلاً من تجاهل ذلك.

«إينيموري» تقليد ياباني عمره 1000 عام، ولا يستطيع أحد انتقاد تلك العادة أو التشكيك فيها، فهذا الشعب هو صانع ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ولا يخلو بيت من منتجاته، وسياراته تملأ شوارعنا، وهو الشعب نفسه الذي نهض بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية، ليعود إلى القمة مرة أخرى، كأمة مسالمة هذه المرة، وليس كقوة مستعمرة. هو الشعب الذي دخل عصر الهواتف الذكية قبلنا بعقد، بتقنيته الخاصة التي لم يفكر في تصديرها.

«النوم أثناء الحضور» ليس من علامات التراخي أو الكسل والدليل الأمة اليابانية. السؤال: هل نحن مستعدون لتقبل هذه العادة ضمن ثقافتنا في العمل؟ تنويه: هذا المقال يطرح فكرة فقط، وليس المقصود به التشجيع على ممارسةٍ، دون إقرارها من قبل الحكومة!

مسك الختام: في بلادنا لو غفا شخص على مقعد، سواء في وسيلة مواصلات أو مقهى، فإنه يكون مثاراً للسخرية، سواء من أناس حوله، أو من أولئك الذين يصورونه لاستغلاله كمادة فكاهية! أو هكذا هي ثقافة «إينيموري» لدينا!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر