5 دقائق

العملة الرديئة

الدكتور علاء جراد

يوجد في علم الاقتصاد قانون شهير باسم السير «توماس جريشام»، وزير مالية بريطانيا في القرن الـ16، يتلخص القانون في أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق،

الشخص الذي كان خبير «تنمية بشرية» أصبح خبيراً في «التميز المؤسسي»، ثم خبيراً في «الإبداع والابتكار»، ثم خبيراً في «السعادة وعلم النفس الإيجابي»، ولا مانع أن يكون بعد ذلك خبيراً في «استشراف المستقبل».

أي أنه لو تم إصدار نقود ذهبية ذات وزن أقل من الذهب، فإن العملة القديمة ذات الوزن الأكبر من الذهب سوف تختفي، إما بأن يتم صهرها وبيعها أو تخزينها، ويبدو أن هذه القاعدة أصبحت تنطبق على مختلف مجالات الحياة الآن، ففي مجال التعليم العالي تطغى المؤسسات التعليمية التجارية على مؤسسات الجودة العالية، فمعظم الطلبة يحتاج إلى شهادة فقط ولا يركز على التعلم، وهناك العديد من الجامعات التي باتت كالمطبعة التي تطبع شهادات ليس إلا، وفي مجال التدريب أصبح معيار جودة المدرب التساهل مع المتدربين، وحبذا لو تركهم يغادرون قاعة التدريب قبل منتصف اليوم. المشكلة أن هناك مجالات كثيرة لا يوجد بها الحد الأدنى من الضوابط أو المعايير، منها مجال الاستشارات، خصوصاً الاستشارات الإدارية، فقد أصبح كل من يحصل على دورة ثلاثة أو خمسة أيام في مجال معين يطلق على نفسه خبير....... ويمكن إكمال هذا الفراغ بأي مسمى، فالشخص نفسه الذي كان خبير «تنمية بشرية» أصبح خبيراً في «التميز المؤسسي»، ثم خبيراً في «الإبداع والابتكار»، ثم خبيراً في «السعادة وعلم النفس الإيجابي»، ولا مانع أن يكون بعد ذلك خبيراً في «استشراف المستقبل»، يستطيع الشخص طباعة بطاقة تعريفية، ويضع فيها ما لذ وطاب من المسميات، وبالتالي فإن هذه النوعية من «الخبراء» تصبح مثل العملة الرديئة التي تطرد العملة الجيدة، والنتيجة هي أيضاً خدمة رديئة لا تسمن ولا تغني من جوع، بل قد تضر ضرراً جسيماً بالمؤسسة التي تستعين بهؤلاء «الخبراء». أعتقد أن الحل يكمن في تطبيق شروط واضحة، ومعايير لا تساهل فيها لتأهيل من يرغب في تخصص معين، فبجانب الشهادات الأكاديمية يمكن أن تكون هناك شهادات مهنية أيضاً من جهات محددة، يتم اعتمادها ومراقبة جودتها بصفة مستمرة، فمن يرغب في أن يضيف إلى سيرته الذاتية مهنة مستشار في الموارد البشرية مثلاً، لابد أن يتم اعتماده من جهة مستقلة، تتمتع بالصدقية والنزاهة، وتشرف عليها الجهات المختصة. إن تقديم استشارة خطأ يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، وفي دول كثيرة يوجد تأمين ضد أخطاء الاستشارات الإدارية، فما بالنا بالاستشارات في التعليم والصحة، التي تمس مستقبل الأجيال وحياة الناس. يمكن بالتأكيد استحداث سياسات ومعايير تحافظ على العملة (أو الخدمة) الجيدة، وتطرد العملة (أو الخدمة) الرديئة، حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر