كل يوم
يبدو أن المشكلة أكبر من «كارديشيان»
كنت أعتقد أن زيارة كيم كارديشيان لمركز راشد للمعاقين في دبي، مجرد غلطة إدارية في فهم طبيعة عمل كل منهما، أقصد المركز وكارديشيان معاً، هذه الغلطة كان يكفيها الاعتراف من المركز أولاً، فكل إنسان معرّض للخطأ، ولكل حصان كبوة، وثانياً الاعتذار بكلمات بسيطة للمعاقين وذويهم، نظراً إلى استغلالهم وعرضهم، من دون أخذ رأيهم أو موافقتهم، أمام شخصية هابطة تعدّ رمزاً للدعارة العالمية.. لكن يبدو أني كنت مخطئاً!
فبعد أن تمعّنت في رد المركز المذيّل باسم مديرته، مريم عثمان، اتضح أننا أمام مشكلة أكبر بكثير من تلك الزيارة، فنحن، مِن خلال كلمات الرد وضعفه وركاكته وتضارب أفكاره، نكتشف أننا أمام تفكير سطحي للغاية، لا يمكنه أبداً أن يكون مؤهلاً لإدارة مركز لتأهيل وتعليم وتدريب معاقين، إضافة إلى ذلك هناك ما هو أكبر من ذلك، وهو وجود استغلال واضح، و«متاجرة» بهذه الفئة الضعيفة، فالمركز ليس مركزاً خيرياً كما يدّعي مسؤولوه دائماً حين يجمعون التبرعات، بل هو مشروع خاص، كأي مدرسة خاصة، يتقاضى رسوماً سنوية ليست قليلة مقابل كل معاق، لذلك فهو لا يملك الحق في استغلالهم إعلامياً لجمع تبرعات، والسؤال المنطقي هنا: لماذا يجمع المركز التبرعات؟ ولماذا يقيم الحفلات تلو الحفلات؟ ولماذا يستقطب الفنانين والفنانات وغيرهم بدعوى العمل الخيري وهو يتقاضى رسوماً من الطلبة والأطفال المعاقين؟!
لن «أُشخصن» الموضوع، فهذا أسلوب الضعيف، ولست في نزاع شخصي مع المسؤولين عن المركز، ولم أذكرهم بسوء في مقالي السابق، تحدثت بوضوح عن قضية واحدة وواضحة، ولن أرد على كل ما ذكروه بعيداً عن هذه القضية، فالرد كان صادماً وغريباً ومضحكاً، فمَن لم يوافق على زيارة كيم كارديشيان لمركز المعاقين هو «داعشي»، ضيق الأفق، غير منفتح على الآخر، لا يعترف بالجغرافيا العالمية، وهو مهرطق إخواني!
عن أي آخر يتحدث المركز؟! إذا كان الآخر هو المختلف في اللون والشكل والمعتقد والجنسية، فمنذ متى مارسنا الإقصاء أو الإلغاء أو التجاهل بحقه؟! التسامح لدينا ليس مجرد عناوين تتصدر صفحات جريدتنا، بل ثقافة أصيلة نمارسها يومياً في حديثنا وسلوكنا اليومي، أما الآخر، في حالة كارديشيان فهو في فئة لا يمكن تصنيفها ضمن الآخر المتعارف عليه، بقدر ما يمكن وصفه بالحالة الفردية الشاذة سلوكياً أو المنحرفة أخلاقياً. فهل علينا أن نكون متسامحين مع المنحرفين أخلاقياً أو تجار المخدرات مثلاً حتى نكون منفتحين؟!
أدرك تماماً «إن أبواب مركز راشد للمعاقين مفتوحة للجميع، للإعلامي والشاعر، للفقيه والفنان»، وأدرك أن عقيلات رؤساء الدول يزرنه، حسناً لن نختلف على ذلك، ولكن هل لنا أن نعرف في أي خانة يصنف المركز كارديشيان؟ أتحداه أن يطلق عليها وصفاً من هذه الأوصاف السابقة التي وضعها في رده!
السؤال الأساسي هو عن القيمة في عمل الخير، مثلما هو في الفن والترفيه وأي شيء، قيمة المركز في رعاية الضعف الإنساني، وحفظه من الإساءة، وحمايته من الأذى. أما قيمة كارديشيان ففي ترويج المثال القبيح للمرأة بوصفها سلعة جنسية مبتذلة ورخيصة، تدرّ أرباحاً في سياق الاتجار في البشر، على نحو يجذب متابعين بالملايين لظاهرة تجارية مرفوضة حتى في الولايات المتحدة نفسها.
استضافتها قبول بالتطرّف من الناحية الأخرى التي تساوي التطرّف الإرهابي، فدعاة الإرهاب، مثل الإخواني وجدي غنيم، أو يوسف القرضاوي، لديهم متابعون بالملايين أيضاً، ولكن القيمة المترتبة على ذلك تنعكس في آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، وبينهم معاقون، يموتون في السلوك الإجرامي والانتحاري.
السؤال هنا ليس عن من هو أقل أذى، كارديشيان لا تدعو إلى انتحار البشر، هي تروِّج صورةً مشوّهة للإنسان، وحتى قيم الرأسمالية الحديثة التي تُقنن الدعارة، تضع قوانين لحماية الأطفال والقُصّر من نتائجها، وتمنع أن تكون مثالاً يُحتذى!
لم تفعل كارديشيان وعائلتها (وهي ليست عائلة فنية)، سوى تحويل تلفزيون الواقع إلى ماراثون طويل للهبوط الأخلاقي. وذلك يخلو من أي رسالة تجعل للبطولة معنى يؤهلها لزيارة أطفال معاقين وغافلين عن مستوى معروف للبشاعة!
الإمارات دولة معتدلة، تتبنى وسطية أنتجت تنوّعاً وتسامحاً، ولأنها تقف ضد التطرّف الديني، وضد دعاة الإرهاب من التيارات السياسية والداعشية، فهي الأكثر خبرة وذكاء في فهم التطرّف المضاد، ودرء أخطاره عن مصالح المجتمع وقيمه، وذلك من أبسط حقوق الناس.
السيئة لن تأكل الحسنة في استضافة كيم كارديشيان، فميزان المركز ثقيل أيضاً في الحسنات والعطاء، وكان يكفي الاعتذار عن فعل تراه أغلبية المجتمع غير مقبول.
أما الآن فأعتقد أن أوان الاعتذار قد فات، بعد أن اكتشفنا أن إدارة المركز غير مؤهلة فكرياً ومجتمعياً، للتعامل مع فئة المعاقين!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .