5 دقائق

إطعام الطعام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

روى أصحاب السنن والمسانيد من حديث عبدالله بن سلام، رضي الله تعالى عنه، قال كان أول شيء سمعته من النبي، صلى الله عليه وسلم، أن قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصَلُّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»، وروى نحوه عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، بزيادة «اعبدوا الرحمن»، فدل ذلك على أن إطعام الطعام مقترن بعبادة الله تعالى عموماً، وبالصلاة وصلة الأرحام خصوصاً، وأن كل ذلك سبب لرضوان الله تعالى في جنات عدن من غير حساب ولا عذاب، وهو ما عضَّدته الدلائل الأخرى كحديث «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، وحديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أن «رجلاً رأى كلباً يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خُفَّه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة»، وحديثه أيضاً «بينما كلب يطيف بركِيَّة ـ يعني بئراً - قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها، فاستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به»، إلى غير ذلك من الدلائل المتكاثرة على فضيلة إطعام المحتاج والسائل والقانع والمعتر، أي المتعرض للمسألة، ذلكم أن الخلق عباد الله وفقراؤه، فمن يعطف عليهم فإنما يعامل الله تعالى، وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله».

ناهيك عن أن إطعام الطعام من أجلِّ المكارم الخُلقية، وأعظم الشُّعب الإيمانية، كما يشير لذلك قوله سبحانه {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.

فهو ثناء عظيم على عباد الله الصالحين الأبرار، وبيان لما أوجب لهم من جنات تجري من تحتها الأنهار، بسبب أنهم كانوا يطعمون الطعام ويوفون بالنذور ويفعلون عموم الخيرات.

• إن إطعام الطعام من أجلِّ المكارم الخُلقية، وأعظم الشُّعب الإيمانية.

وقد وفّق الله تعالى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ـ حفظه الله تعالى - لهذه المكرمة العظيمة، والمبادرة الكريمة؛ لتكون عوضاً عن الإشادة بالذكرى الحادية عشرة لجلوسه للحكم - ضاعفها الله أضعافاً كثيرة - وهو في الحقيقة شكر حقيقي لله تعالى يستزيد به فضله العميم المعد للشاكرين.

ولا ريب أن هذه المبادرة اليوسفية سينفع الله بها أمماً كثيرة، وتحفظ بها نعم الله تعالى على عباده، فكم من نعم تهدر، لاسيما في المناسبات الكبيرة، بينما في الناس من هو في أمسّ الحاجة إلى قليل منها، فإذا وجدت مبادرة كهذه فإنها ستطعم ما لا يحصى عدداً، فينال المطعم أجرها والدال على ذلك مثله، وإذا كان النبي، صلى الله عليه وسلم، قد قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» فكم سيكون أجر الإشباع؟!

فعلى كل مستطيع أن يودع حسناته في هذا البنك الذي لا يقبل الخسارة ولا يتوقع منه الإفلاس، لأن الحافظ له هو الجواد الكريم، الذي يثيب بالحسنة عشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة بقدر الإخلاص والنفع.

وإذا كان أشهر مزايا العرب هو الكرم والجود، فها هو شيخ العرب، حفظه الله، يضرب بسهم وافر في ذلك، حيث تعددت مبادراته الكريمة لنفع البشرية، فلا يكاد يجف حبر المبادرة الأولى حتى تأتي الثانية أكبر منها، وهذا ما سيجعله التاريخ حاتماً ثانياً يسير بذكره الرُّكبان، فما أحراه بقول أبي تمام وهو يمدح المعتضد:

هو البحر من أي النواحي أتيته … فلُجّته المعروف والبرّ ساحلُه

تعود بسط الكف حتى لو أنه ... ثناها لقبض لم تُطعه أناملُه

فجزى الله سموّه خير ما يجزي عباده المحسنين، ويثيبه في الدنيا بطَوْل النعم وفي الآخرة بأجر الصالحين.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر