5 دقائق

خيرية مستدامة

عادل محمد الراشد

بعد انقضاء صلاة المغرب من كل يوم خميس تعوَّد المصلون رؤية عدد من أكياس الخبز وُضعت عند مدخل مسجد الحي، الذي بناه أحد أصحاب الأيادي البيض الكثر في بلادنا. هذه العادة درج عليها أحد المصلين المخضرمين منذ سنين لم تنقطع ولا مرة. وفي دقائق معدودات تذهب أكياس الخبز إلى مستحقيها من العمال الذين يعمرون المساجد، في مشهد يعبر عن عمق الرسالة ومستوى الفهم لمقاصد الدين عند كبارنا، بالفطرة ودون أي تكلف أو غلو. لم يفكر «بومحمد» في بساطة فعله ولكنه بادر بسجيته الخيرة، فكان ملهماً لغيره ومثيراً للإعجاب والعجب في آن، ومترجماً فعلياً لمعنى عمل الخير ولو برغيف خبز.

درس جديد يصل إلى أجيالنا اليافعة لتجعل المبادرة تجاه الغير جزءاً من المبادرات من أجل الذات، ولتفهم بأن طيب عيشها مرتبط بطيب العيش للجميع.

لعمل الخير فضاءات لا تحدها حدود لمن أحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه، يبدأ من ملاقاة الناس بوجه طلق، ولا ينتهي عند حدود إغاثة الملهوف. ودولة الإمارات نموذج بشري فريد انسجم فيه الإحساس المرهف من قيادة تربت في مدرسة زايد الخير، وشعب حريص على شكرالله تعالى على نعمه ومقتفٍ لخطوات قيادته في ابتكار معاني الخير وفتح أبواب جديدة لفعله، وكل حسب طاقته وبقدر استطاعته، ولا يخلو أحد منا من قدرة على فعل الخير ولو بإفشاء السلام في من حوله. وكل ذلك في إطار «إحداث الفرق»، الذي نبه إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، في مقاله الغزير بمسالك الخير لمن أراد أن يكون جزءاً من المنظومة الخيرية الرائعة لهذه الدولة المباركة.

«إحداث الفرق» هو الفارق الجديد في مفهوم العمل الخيري، وهو الذي قرب مفهوم عمل الخير إلى جميع الناس دون أن ينحصر في حدود التبرع المادي ويقتصر على الأغنياء دون الفقراء. وهذا درس جديد يصل إلى أجيالنا اليافعة لتجعل المبادرة تجاه الغير جزءاً من المبادرات من أجل الذات، ولتفهم بأن طيب عيشها مرتبط بطيب العيش للجميع، القريب منهم والبعيد، الشريك لهم في دينهم وإنسانيتهم. وهذه لا تتحقق عبر المواعظ والمحاضرات الفجة بقدر ما تترسخ بفعل القدوة الحسنة، والفعل الذي يسبق القول.

عام الخير الذي قرّره صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، ليس تأسيساً لسلوك جديد لدولة الإمارات، ولكنه رسالة تجديد وتحفيز لدمج كل من يعيش على أرض الإمارات في فلسفة الدولة الخيرية، ودعوة المتخلفين للحاق بالركب والمبادرة بفعل الخير شكراً لواهب النعم، ورداً لجمائل الدولة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر