5 دقائق

حلب.. آخر بكائيات العرب

عادل محمد الراشد

أصبحت حلب بكائية تتصدر مناحات العروبة المستباحة في زمن التشرذم والتنازع الأثيم. وما أكثر البكائيات التي أصبحت ملاذاً للنفوس البائسة، والقلوب اليائسة. وربما تكون الشهباء، إلى ردح من الزمان، أنشودة النائحين، لتحل بديلاً عن فلسطين.. فلسطين التي صارت في درك ذاكرة العرب اليافعين، ومؤخرة خيارات العرب السياسيين، وفق أهداف المخططين الاستراتيجيين، فنحن أمة صارت تعشق البحث عن شماعة من صنع الآخرين، لنعلق عليها أفعالنا البالية، ونحمّلها كل ما جنته منا اليدان.

فاختلف الأحزاب من بينهم، على الرغم من أنهم جميعاً يرفعون شعار الرب، ويتكلمون بلسان الشرع، ولكنهم لم يتوقفوا عند حكم الشارع في المتنازعين.

وبعيداً عن جلد الذات ولوم النفس، في ما قد يراه البعض من صنع الأعداء، نقول إن كثيراً من الأمم كان محل استهداف أصحاب المصالح ومجالس إدارات العالم الخبيثة، لكنها استعصت على المخططات، وثبتت في وجه العواصف، وحافظت على منجزاتها، ولم تلقف أول طعم رُمي في طريقها، ولم تقع في شرك الاستدراج إلى مستوى التدمير الذاتي. وحدها الدول العربية، خصوصاً تلك التي حكمت شعوبها بالحديد والنار، كانت أهدافاً سهلة وكيانات من ورق، وإن أظهرت أنياباً كانت في حقيقتها رسماً على ورق. ولأن الهش لا يستوي عليه إلا هشاً فقد انسحبت روح التفرد وحب السلطة ونزعة التسلط إلى من كان ضحية التسلط، فاختلف الأحزاب من بينهم على الرغم من أنهم جميعاً يرفعون شعار الرب، ويتكلمون بلسان الشرع، لكنهم لم يتوقفوا عند حكم الشارع في المتنازعين، ولم يتوقعوا النتيجة التي حذرتهم من ذهاب ريحهم وفشل مقاصدهم إذا غلبتهم أهواؤهم وأصروا على تنازعهم.

في سقوط حلب تتجلى صورة حال الأمة في حاضرها الأليم. إيران تستعير الدور الصهيوني لتؤدي دورها في تراجيديا العرب المتواصلة، فتأتي بجنودها وأتباعها لتحتل أراضي عربية، وتضع أيديها على مفاصل اتخاذ القرار في عواصم عربية، وتعمل بسرعة في تغيير معالم وجوه مدن وقرى وبوادٍ عربية، متسترة بالدعوة المذهبية والنزعة الطائفية، وعينها على استرجاع فصل من التاريخ ولّى، بربط بلاد الشام بطهران عبر بغداد والموصل والأنبار وحلب ودمشق، ولكن بعيداً عن القدس والأرض المقدسة التي تتخذها عنواناً لدعوتها الزائفة، كي لا تصطدم بشريكها أو غريمها الإسرائيلي، لا فرق، وهي تتقاسم معه النفوذ في بلاد العرب.

ربما تكون هذه هي الحال المأساوية التي يهيمن غبارها على المشهد العربي والإسلامي اليوم. لكن من باب التذكير نقول إن مثل هذه الأوضاع والمحن، وأشد منها، قد حاق بالعرب والمسلمين في سابق القرون، وان هذه الفرق بأطماعها وأحقادها التاريخية كانت لها جولات في حقب سابقة في ظل أوضاع مشابهة للحاضر، لكنها سرعان ما هُزمت وانكفأت وعادت لحجمها الطبيعي عندما عاد العرب ليجتمعوا تحت راية بعد نبذ رايات الفرقة والتنازع.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر