5 دقائق

عز الإنسان من عز الأوطان

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

العِزُّ مطلبٌ إنساني أيده الدين الإسلامي، ودعا الناس للسعي إليه؛ لأن به تتحقق كرامتهم الإنسانية التي خلقهم الله تعالى عليها، وحرم عليهم أن يقبلوا الدنِيَّة في دينهم أو المذلة لأنفسهم، لما في ذلك من امتهان لما كرمه الله تعالى، غير أن كثيراً من الناس لا يدركون معاقد العز لأنفسهم في الدنيا، وحقيقته في عز الوطن، فإنه إذا عز عز أهلوه بالتلازم، فقُريش مثلاً إنما عزت في الجاهلية لعزة وطنهم؛ حيث كانوا أهل حرم الله، فكانت مكانتهم بين الناس كبيرة، يأمنون حيث يخاف الناس، ويُكرمون حيث يهان غيرهم، ولما جاء الإسلام ما زاد هذه العزة إلا توطيداً، فقال عليه الصلاة والسلام: «الناس معادن خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا». وقال: «قدموا قريشاً ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعالموها أو تعلموها». ولعل في قوله تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدَاً﴾، ما يشير إلى ذلك إن صح الاستدلال؛ فإن الآية الكريمة تشير إلى أن البلد الطيب يثمر ثمراً طيباً حساً ومعنى، والعكس بالعكس، وكما قالوا:

إذا طاب أصل المرء طابت فروعُه * ومن غلطٍ جادت يدُ الشوك بالورد.

وصورة ما نريد الحديث عنه اليوم جلية في هذا العالم بأوضح صورها، فالبلد غير العزيز لدى أهله لا يكون عزيزاً عند غيرهم، ثم لا يكون أهلوه أعزاء في أي مكان، فالعلاقات الاجتماعية اليوم تقاس بين بني الإنسان بالأوطان، أولاً وأخيراً، فعلى أهل الأوطان أن يعزوا أوطانهم ليعزوا عند غيرهم.

• نعم إنها ترفل عزاً في عمرها الـ45 سابقة دولاً وأمماً كثيرة بدأت مسيرتها قبل قرون عديدة وأزمنة مديدة.

والمثل الحي لعزة الوطن العزيز أهله؛ الإمارات العربية المتحدة، التي عزت عند أهلها فكانت ملء أعينهم وأفئدتهم، يحافظون عليها بنفي الأذى كما يُحافظ على العين أن يصيبها القذى، وكما يحافظ على الجسد أن يصيبه الضر بالغذاء والدواء والوقاية من الردى، يحافظ عليها بجلب المحاسن التي تسر الناظر وتسعد الخاطر، وبتوفير كل ممكن، وتسخير كل القدرات البشرية التي يعرفها الإنسان، كل ذلك من الساسة العظام، ثم من المجتمع التحام وعمل متواصل الليالي والأيام، فكانت مفخرة العرب والعجم، وأسطورة التقدم الحضاري في العصر الحديث، فلما كانت كذلك كان أهلوها في غاية الإعزاز لدى الخاص والعام، فيدخل مواطنوها الدول شرقاً وغرباً بكل ترحاب من غير سابقة تأشيرة، ولا لاحقة متابعة، وهذا العز الحاصل يحمِّل الجميع مسؤولية عظيمة في الحفاظ على الموجود، والسعي لإدراك المفقود، ولا يكون ذلك إلا باحترام نظامها، وتطبيق قوانينها، والعمل على زيادة سمعتها الطيبة في الخارج.

نقول هذا والإمارات العربية المتحدة تعيش عامها الخامس والأربعين، وهي تزاحم الدول المتطورة من مئات السنين.

ومن وسائل عزها إعداد القوة الحامية المانعة؛ بشريةً وآليةً واقتصاديةً ومعرفيةً؛ وهو ما تضرب به المثل، فقد برهنت على ذلك بمساهمتها الفاعلة في الذود عن القيم الدينية والإنسانية والعربية في كل مواطن الشرف في الدول العربية وغيرها، وفي اليمن الشقيق على وجه الخصوص، وهاهي اليوم تحتفي بيوم الشهيد تخليداً لذكرى أعزة أهلها الذين ذادوا عن حياض الوطن بمهجهم الغالية ليبقى الوطن عزيزاً مجيداً، فاكتسبوا العز الذي يقصده الناس، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾. وعاد ذلكم العز إلى الوطن كله وللإنسان الإماراتي أجمعه، وما أجمل المتنبي حين قال:

أين فضلي إذا قنعت من الدهـ ... ـر بعيش معجَّلِ التنكيد

عش عزيزًا أو مت وأنت كريم ... بين طعن القنا وخفق البنود

نعم إنها ترفل عزاً في عمرها الـ45 سابقة دولاً وأمماً كثيرة بدأت مسيرتها قبل قرون عديدة وأزمنة مديدة.

اللهم أدم علينا دولة العز، وعز الوطن، وعز الإنسان، ومسابقة الحدثان.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر