5 دقائق

أوقات الصلاة الشرعية والفلكية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

فرض الله تعالى الصلوات الخمس في أوقات محددة ليتعرف العباد بها عليه سبحانه وتعالى، ولم يشأ الله تعالى أن يجعلها في الوقت الذي يريده العبد، بل في الوقت الذي يريده هو سبحانه، من آناء الليل وأطراف النهار، كما قال سبحانه: «فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا»، أي مفروضة في أوقات محددة، فلا تتقدم عن وقتها ولا تتأخر عنه، فكل ذلك محرم مذموم، وقد جعل أوقاتها متغيرة بتغير الأحوال الزمنية التي يحتاج فيها الجسد إلى أن يغير وضعه فيها من انهماكه في الدنيا إلى الراحة النفسية بالأنس بمولاه سبحانه وتعالى، فيعيش في حضرة مناجاته، وشهود تجلياته، ويتقرب من حضرة قدسه، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول عنها: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»، بل «كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة»، وإذا تعب من عناء الدنيا التي كانت بالنسبة له صلى الله عليه وسلم كلها من أعمال الآخرة، فكان يقول عند ذلك التعب: «أرحنا بها يا بلال»، أي ناد بها، لننقطع بها مع الله عما سواه.

• دخول وقت الصلاة المفروضة لا يُعرف إلا بمنازل الشمس والقمر والنجوم والأظلة.

وقد أشار الله جل ذكره لأوقاتها المحددة في محكم كتابه بقوله: «فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تظْهِرُونَ»، أي سبحوه بالصلاة في مسائكم وهي صلاة الليل مغرباً وعشاء، وصباحكم وهي صلاة الصبح، وظهركم وهي صلاة الظهر والعصر، وبقوله سبحانه: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا»، فإن هذه الآية جمعت أوقات الصلوات الخمس، ابتداء من دلوك الشمس وهو زواله، وذلك بصلاة الظهرين وهما الظهر والعصر، وغسق الليل وهو حلول ظلامها وذلك بصلاة العشاءين وهما المغرب والعشاء، وصلاة الفجر.

وقد بينت السنة المطهرة هذه الأوقات بالتحديد في أحاديث كثيرة، منها حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة تعليم جبريل عليه السلام، النبيَّ صلى الله عليه وسلم الصلاة بأوقاتها في يومين متتاليين، ثم قال له: «يا محمد، هذا الوقت وقت النبيين قبلك، الوقت ما بين هذين الوقتين».

وإنما قيدها الله تعالى بأعيان الأوقات كي لا يمنعك عنها وجود التسويف، ووسع عليك الوقت كي تبقى لك حصة الاختيار، كما يقول ابن عطاء الله السكندري في حكمه المشهورة، لذلك فقد كانت عناية علماء الإسلام بتبيين أوقاتها كبيرة، وجهودهم لتحقيق ذلك كثيرة، بوسائلهم المختلفة من علامات طبيعية وحسابات فلكية، عجَّت بها الكتب الفقهية، وتكاثرت بها الكتب الفلكية المستقلة، قديماً وحديثاً، لاسيما مع تطور علم الفلك وتعدد وسائله، كل ذلك حتى تُؤدَّى هذه الفريضة العظيمة في وقتها، من غير تفريط لها، فكانت جهودهم مشكورة ومنزلتهم عند الله كبيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظِلَّة لذكر الله»، ففي هذا الحديث إشادة بالغة بأصحاب هذه الجهود النافعة، لأن قلبوهم متعلقة بالصلاة متى سيدخل وقتها فيبادرون بها، وفيه مع ذلك دلالة على أن دخول وقت الصلاة المفروضة لا يُعرف إلا بمنازل الشمس والقمر والنجوم والأظلة ــ جمع ظلال ــ وأن من يراعي ذلك فهو من خيار عباد الله تعالى.

ومن هذه الجهود ملتقى دبي الأول لمعايير مواقيت الصلاة الذي انعقد في دبي في اليومين الماضيين، بمشاركة عدد من علماء الشريعة ومحققين من علماء الفلك والهيئة، مسبوقة بجهود استقرائية حثيثة في مواطن مختلفة وأوقات متعددة لمراقبة طلوع الفجر وغياب الشفق، جاءت هذه الجهود في سلسلة الجهود المتلاحقة والمختلفة بين الدول للوصول إلى عين يقين الأوقات، وتبديد التشويش الذي يطرأ عليها بين الحين والآخر. والله ولي التوفيق.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر