5 دقائق

دور الأعمال الخيرية في تنمية الاقتصاد الإسلامي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عمود الاقتصاد الناجح المحقق للتنمية المستدامة هو حركة المال بين الناس، بحيث لا يبقى مكنوزاً ولا دُولة بين الأغنياء، وكثير من الناس يفهمون من تحريك المال تحريكه في التجارة والضرب به في الأرض مخاطرة به، وهذا وإن كان صحيحاً على مستوى الفرد إلا أنه غير صحيح على مستوى الجماعة والأمة، فإن أغلب الناس هم فقراء وذوو دخل محدود، وتحريكه في التجارة يدور في حلقة مفرغة بين ذوي المال الوفير والاستثمار الكثير، وذلك لا يحقق غنىً مجتمعياً، وتلافياً لهذا الحال فإن الشارع الحكيم فرض تدوير نسبة منه لذوي الحاجة من فقراء ومساكين وغارمين وأبناء سبيل ومؤلفة قلوبهم.. ليخرج من دائرة الاكتناز المذموم الذي يُفقده وظيفته، ولم يكتفِ بذلك حتى ندب إلى الإنفاق منه بطرق مختلفة من صدقات وهبات وإعانات وأوقاف وغير ذلك، ليدور في الأوساط المجتمعية بكفاءة، وهو ما كان يفعله أوائل المسلمين في عصورهم المختلفة، وبلدانهم المتعددة، فعاش الجميع بتساوٍ في المعيشة والسعادة.

وإذا كنا اليوم في عصر النهضة وفي طور نشأة الاقتصاد الإسلامي فإن الواجب أن ننظر إلى هذا الأسلوب الاقتصادي النافع نظرة تطويرية جادة، ولنجعل من أساليب تطويره تفعيل عمل الخير في المجتمعات ليتسع نفعه وتعظم عائدته.

• لو أُنشئ صندوق وقفي صناعي وحسنت دراسته وإدارته وتسويقه وتنميته لأخرج كثيراً من الناس من حد الفقر والحاجة.

فالوقف يعتبر من أهم وسائل تطوير الاقتصاد الإسلامي، وذلك من خلال صناعة منشآت وقفية عقارية أو صناعية أو زراعية أو حرفية أو تعليمية أو غير ذلك، لتقوم بضخ نفعها على ذوي الحاجة، وترفع مستوى المعيشة للناس، فلو أن صندوقاً وقفياً في عقار مثلاً موجود، وحسنت إدارته، فإن ريعه سيكون مسهماً إسهاماً كبيراً في تقليل الفقر وسد حاجات كثير من الناس.

ولو أُنشئ صندوق وقفي صناعي وحسنت دراسته وإدارته وتسويقه وتنميته لأخرج كثيراً من الناس من حد الفقر والحاجة، ليس فقط الموقوف عليهم، بل كذلك اليد العاملة التي ستجد الفرص الكبيرة، وستحرك المجتمع لإيجاد المواد الأولية للتصنيع، فتحيا الأرض وتستخرج خيراتها.

وهكذا يقال في كل أبواب الوقف الكثيرة التي كانت المجتمعات تعيش في بحبوحتها وظلالها الوارفة.

والمطلوب من الاقتصاد الإسلامي أن يسهم إسهاماً كبيراً في إيجاد أوقاف وتشريعات مرنة حتى يتشجع الناس للإسهام الكبير فيها.

ومثل ذلك يقال في الزكاة التي هي نسبة قليلة من أصول الأموال الزكوية، فإن الإسلام إنما فرضها وجعلها حقاً معلوماً لسد حاجات المجتمع (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، وهؤلاء الفقراء هم الذين حركوا المال بحاجياتهم، فكان من العدل رد شيء من الجميل لهم، وليس فقط لكونهم كانوا سبباً في نماء المال، بل ليؤدي المال وظيفته في التَّقلُّب بين الناس، وذوي المال الزكوي من نقود وعروض تجارية وزراعية وعقارية وصناعية وحيوانية، فضلاً عن مناهل المال الأساسية وهي البنوك والشركات الكبرى، فإنهم معنيون عناية أولية بتنمية المجتمعات، وإخراج نسبة الزكاة من أموالهم، حتى يتحرك الاقتصاد ويكون دُولة بين الناس، وبذلك ترتفع نسبة الغناء وتقل ساحة الفقر.

والمطلوب من الاقتصاد الإسلامي أن يولي هذا الباب عنايته الكبيرة بتيسير جلب الزكاة وحسن صرفها حتى يصبح الآخذ معطيا عما قريب.

وكذلكم فعل الخيرات التي يتنافس فيها الخيرون الذين ينفقون في السراء والضراء؛ فإن هذا الباب الذي تتنافس فيه الجمعيات والمؤسسات المعنية هو من أهم وسائل تحريك المال، فلو أن هناك عناية كافية لجلبه وحسن صرفه لما بقي في البلد محتاج، لما يوجد في هذه المؤسسات من وفرة كبيرة قد تُخزن أعواما عديدة، بينما أصحاب الحاجات يتسولون ويتضوَّرون، ومنهم من يعيش بمرضه أو ذلته أو فاقته.

والمطلوب من الاقتصاد الإسلامي التوجه لهذا الباب وبحث وسائل عديدة لجلبه وإنفاقه بما يحقق الهدف الأسمى للاقتصاد في الإسلام. والله ولي التوفيق.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر