لحظة

أغلقوا المدارس فقد انتهى دورها

ياسر حارب

طفلي الصغير عبدالله، آخر العنقود، تجاوز السنتين بقليل، إلا أنه يعرف كل الأحرف العربية والإنجليزية، ويعرف كيف يَعُدّ الأرقام باللغتين أيضاً. لا يذهب إلى حضانة، وليس عنده مُعلّم خاص، بل لأنه يستخدم التكنولوجيا. دخل مكتبي في البيت مرة، ورأى آلة موسيقية، فأشار إليها وهو ينطق اسمها، سألتُ أمّه كيف عرفها؟ فقالت إن الفيديوهات التعليمية التي يُشاهدها في الـ«آي باد» تظهر فيها هذه الآلة، وغيرها. وعندما أسألُ أطفالي الآخرين عن يومهم في المدرسة وما تعلموه فيها لا يكادون يذكرون شيئاً، ومعظم ما يعرفونه عن الحياة يتعلمونه من خلال أجهزتهم.

قرأتُ قبل أيام تقريراً عن مستقبل التعليم، فوجدتُ أن البشرية على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالمتغيرات الجذرية التي ستعجل من المدرسة مبنى مُجرّداً من دوره التعليمي، وسيتحول الأستاذ مِن مُدرّس إلى مُوجِّه فقط (Mentor)، لأن سُرعة تعلم التلاميذ خارج الفصل الدراسي ستفوق قدرته على تعليمهم أي شيء. فالطلبة في العَقد المقبل سيتعلمون الأمور النظرية خارج المدرسة، على أجهزتهم وفي «يوتيوب» وغيره من مصادر المعرفة الحديثة، وسيذهبون إلى المدرسة فقط ليُطبّقوا ما تعلموه عملياً، وستكون دروسهم عبارة عن أنشطة ومشروعات جماعية يُشرف عليها المُعلمون.

أذكُرُ أنني درستُ قبل سنوات في كلية «إنسياد» في فرنسا، وخرجنا إلى الغابة لنتعلم درساً في القيادة، لكن مجموعتنا فشلت في المحاولة الأولى، وقبل أن نعاود الكرّة، تطوع أحدنا ليقود المجموعة فوافقنا، وعندما قمنا بالمحاولة الثانية نجحنا. قال لنا المُدرّب بعد نهاية الدرس:«هل تعلمون لماذا نجحتم؟ لأنكم اخترتم قائداً، ولأنه وضع استراتيجية واضحة للعمل. هذا درسكم الأول، لن تستطيع أي مجموعة، كبيرة كانت أم صغيرة، أن تنجح دون قائد ودون استراتيجية». مضى على ذلك الدرس عشر سنوات بالضبط، إلا أنه مازال راسخاً في عقلي، لأنني طبّقتُه عملياً ولم يُخبرني عنه مُدرّس في داخل الفصل، ولم أقرؤه في كتاب!

في المستقبل القريب سيتمكن الطلبة من الدراسة عبر أجهزتهم التي يحملونها في أيديهم، كُلٌّ حسب قدراته العقلية، حيث ستختلف دورس عمرو عن زيد تبعاً لاحتياجاتهما وقدراتهما، وستنتهي فكرة التعليم العام، وتلقين كل الطلبة الدروس نفسها بالطريقة نفسها. أما الامتحانات فستكون من الماضي، وسيكون النجاح والرسوب في المشروعات وليس على الورق.

في ظل هذه المتغيرات الكثيرة نحتاج إلى أن نتساءل: لماذا نُرسل أطفالنا إلى المدرسة؟ ماذا يتعلمون؟ وماذا يستفيدون من واجباتهم المنزلية وامتحاناتهم المُكررة؟ هل تذكرون نظرية فيثاغورث؟ هل استخدمتم جدول العناصر مُنذ أن تخرجتم إلى اليوم؟ وماذا نفعتكم المعلومات التاريخية التي حفظتموها أيام المدرسة؟

ما نحتاج إليه اليوم حقاً هو أن نتعلم أساليب التفكير المنطقي، وكيف نتعلم، ثم كيف ننزل ما تعلمناه على واقعنا. لم يعد للحفظ حاجة مع وجود «غوغل» و«ويكيبيديا»، ويبدو أن المدرسة أيضاً لن تكون لها حاجة قريباً. وبما أن الإمارات سبّاقة في سعيها نحو المستقبل، فلماذا لا تكون هناك تجربة عملية لمدرسة «المستقبل»، حسب المعايير الجديدة التي ستكون واقعاً خلال عشر سنوات من الآن؟ لا نحتاج لانتظار دولة أخرى لتقوم بهذه التجربة، فالعزيمة التي دفعتنا لإرسال مسبار إلى المريخ، حَرِيّةٌ بأن تجعلنا أول دولة تُلغي المدرسة دون أن تُلغي التعليم.

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 
 

تويتر