5 دقائق

الشيخ «غوغل» والدكتور «واتس آب»

عادل محمد الراشد

تبسيط مسائل الدين مطلوب من باب تعليم الناس أمور دينهم، ليكون دليل عباداتهم ومعيار معاملاتهم وتنظيم علاقاتهم. ونشر المعلومات الطبية مرغوب، بهدف زيادة وعي الناس في ما يتعلق بصحتهم. ولكن لكل مجال رجاله، ولكل حقل عماله ومختصوه، فالتبسيط لا يعني التسطيح وترك الحبل لكل ذي ناقص فهم وقاصر نظر أن يخوض فيه، فيضل ويضلل الناس معه.

كلا الأمرين، الدين والصحة، من ركائز وجود الإنسان، ناهيك عن عناصر وموضوعات أخرى صارت مكاناً للعبث، اختلط فيها الصواب مع الخطأ.

من بلايا إعلام الإنترنت والتواصل الاجتماعي أن صارت الفتوى بيد كل من بيده جهاز هاتف جوال أو حاسوب، لا يكلفه استصدار فتوى شرعية، في قضية قد تكون مصيرية، أكثر من كتابة الحروف الأولى من كلمة على خادم البحث في «غوغل» لتصطف أمامه جملة من العناوين يختار ما يشاء منها، ثم يقرأ رؤوس جملها، فيبني عليها رأياً فقهياً يتمسك به، ويسارع في نشره دون فحص ولا تمحيص، وربما بلا دراية بمحتواها ولا أسماء القائلين بها.

وكذلك الحال مع الكثير من مستخدمي «واتس أب». وهذا أخذ من الأدوار ما تجاوز «غوغل» وغيره من خوادم البحث، لأنه أراح الكثيرين الذين ربما لا تربطهم بالإنترنت أي علاقة غير هذه الوسيلة السحرية التي صار بعضهم يختصرها تدليلاً بـ«الواتس». فعلى هذا «الواتس» صار الكثير من الناس أطباء، ومعالجين بالطب البديل، وخبراء تغذية، ومستشارين في مسائل الصحة والجمال، يوجّهون للمفيد ويحذّرون من الضار، وربما يكررون إرسال المقطع أو الرسالة مرات عدة قبل أن يكملوا مشاهدته أو قراءتها. والأغرب أن كثيراً من هؤلاء تأخذه العزة بالإثم عندما يلقى رداً من صاحب اختصاص فيصرّ على ما تلقى وألقى، بأنه القول الفصل، والحق الماحق، والحقيقة الدقيقة.

كلا الأمرين، الدين والصحة، من ركائز وجود الإنسان، ناهيك عن عناصر وموضوعات أخرى صارت مكاناً للعبث، اختلط فيها الصواب مع الخطأ، وتداخلت فيها الفتاوى والآراء، ليس من منطلق الاختلاف المحمود والجدل النافع، بل من باب التسطيح والتجهيل والإثارة والاستعراض على حساب المعرفة الأصيلة والوعي الراسخ والعلم النافع.

لاشك في أن الإنترنت أسهم في حرية تدفق المعلومات، سهّل على الناس الوصول إلى المعلومة بأسرع وأيسر الطرق ووفر على الباحثين، مختصين وأفراداً، الكثير من الوقت والجهد لتنمية معارفهم. ولا شك، كذلك، أن لكل وسيلة من قد يسيء استخدامها، ولكن أن تتسع دائرة إساءة الاستخدام لتسحب فئات واسعة من المجتمعات فهذا يشكّل تهديداً للوعي العام يتطلب المزيد من التوعية وتنمية مهارة القراءة النقدية والقدرة على التمييز لدينا جميعاً.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر